منذ سنوات وتحت عنوان «الاختيار» كتبت ثم كررنا معاً مؤخراً: يصف الناس المرء بالشهامة أو الصدق أو الفروسية أو الكرم أو الشجاعة أو الذكاء أو الجدارة أو النُبل أو....، أو عكس ذلك وغيره كذلك، بينما الإنسان عندى هو «اختيار»، وعند اختياراته يمكننا أن نتعرف على سماته الشخصية. واليوم نقول أو نكرر، إن الرئيس عندما تولى المسؤولية صيف 2012، لم يرث فقط ما خلَّفَه مبارك وسابقوه عبر عقود، ولكنه ورث أيضاً ما خلَّفَه المجلس العسكرى بعد الثورة بل وما خَلَّفَته القوى السياسية كلها بما فيها الإخوان، وبما فى الإخوان من محمد مرسى ذاته. أسوأ ما حققه هؤلاء جميعهم، ونحن معهم بسلبيتنا فلا يعفينا نصحنا فقط ولو تكرر، أقول أسوأ ما حققناه جميعنا وعبر تاريخ حياتنا العامة كلها، هو مرحلة انتقالية بالغة السوء لثورة مصرية بالغة العظم. البعض الأول من هذه الثلاثية، ولخشية المساءلة، ولأن أحداً أيضاً لم يطمئنهم بوعدٍ نصحنا به مبكراً جداً ب«الخروج الآمن»، فلذلك لم ينخرطوا معنا ومبكراً فى تطهيرٍِ مستحقٍٍ بعد ثورةٍ عظيمةٍ، واعدةٍ مفترضة، بل ووالله من الخوف والارتباك خَرَّبوا فيها، أما البعض الثانى ولشعوره بعجزه وبفلسه ومن ثم بتدنى فرصه السياسية، فلقد خرَّب هو الآخر هذه المرحلة وما زال إلى الآن، بأنانية وبضميرٍ خَرِب وغياب تام لمصر عن وجدانه، أما البعض الثالث والأخير فهو نموذج للعشوائية وأستاذ فى تضييع الفرص والمنح الإلهية، ويقيناً اليوم أقول إنه لم يكن يستحق هذه العطايا، فأبداً لم يكن على مستواها، فسقط فى الاختبار. إلى هنا فهذه القطاعات الثلاثة هى المسئولة ونحن معها، عن فترة انتقالية بالغة السوء، وما زالت مستمرة حتى اللحظة. فإن لم يعترف الرئيس اليوم أمام الله ثم نفسه بما تقدم، ويخلص النية فيتحرى سيلَ الإنجاز السريع، باعتباره صاحب السلطة، فأشهد الله سبحانه وتعالى ثم كل مصرى غيور، أنى قد بلغت مراراً، وها أنا أفعل الآن كذلك، بأن لا أمل يُرجى من عشوائية تخاصم الأسباب العلمية. أعود وأفَصِّل فأقول: لم يكن أمام جماعة الإخوان المسلمين بعد نجاحها المعتبر فى الانتخابات البرلمانية بعد الثورة، إلا أن تدرك ما كنا نلح عليها بشأنه منذ الأيام الأخيرة للثورة واستمر إلحاحنا طوال ربيع وصيف وخريف 2011، عبر اللقاءات المباشرة بأعضاءٍ منها والمهاتفات والرسائل، بل ومع الزهق عبر المقالات واللقاءات التليفزيونية، حتى تستيقظ فتأخذ بما كنا ننصحها به، وهو أن بعد «الإسلام هو الحل»، ويقيناً عندنا هو الحل، عليها أن تنشغل بأسباب الحل، لتحقق أمور ثلاثة: الأول، التعاطى المبكر، العلمى الرشيد، لنزع أغلب مقومات الثورة المضادة. أما الثانى، فإدراك أن الاقتصاد العفى هو الممهد الأول، لتحقيق المشروع الأسمى الشامل، ومن ثم التواصل مع حكومات المجلس العسكرى «شرف والجنزورى» والضغط كذلك، وخاصة أن الإخوان والإسلاميين عموماً، كانوا فى نظر الناس وقتها وفى وجدانهم، دعاة «استقرارٍ وبناء»، فضلاً عما لهم من «الهيبة»، فهاهم وللتو ظافرون بنصرٍ انتخابى فائق، ولم يخذلهم شعبهم فى استفتاءٍ سابق، نتيجته كاشفة. أما الثالث، فتحقيق المصداقية، عبر المتابعة والتطوير، الإبداع والإضافة. واليوم أضيف رابعاً والذى لم يكن وللأمانة فى خلدى وقتها احتمالية فقدانه، أقصد الحفاظ على الهيبة التى كان يستشعرها فى الجماعة، الخصوم قبل الأنصار، ومن ثم الوقار. وبعد، فمصر كانت وما زالت وستظل بإذن الله واعدة، مشكلتنا طوال قرونٍ من الزمان، كانت مع سوء الإدارة والفساد، واليوم ما زالت المشكلة فى غياب الإدارة التى تبدأ بإدارة الفكر، أما الأخطر فهو الجهل بأنها غائبة، أقول قولى هذا محسناً الظن، الجهل ولا أقول المكابرة. شيءٌ طيبٌ وحسنٌ، ما أعلنه وزير الاستثمار، عن مشروعات حددها فى تصريحه ويتم الترويج لها حالياً، والبحث عن تمويلها، وهو ما نرجو بإذن الله أن يتحقق، ولكن ما نتحدث عنه، هو مشروعات فوق المألوفة، فضلاً عن عوائدها الاقتصادية الواعدة، فهى أيضاً ولادة لمشروعات تنبثق منها تلقائياً ومنظورة، تغطى القطاعات كلها، صناعة وزراعة والصناعات الخادمة لهما، والأخرى القائمة عليهما، ثم خدمات بتنوعها، ثم فى جميع مراحلها ومن التمهيدية منها، تشتغل على التأهيل الإدارى والتقنى، وتحقق فرص تشغيل حقيقية بل ومتنامية، كل ذلك برأس مال فكرى فى الأساس واستغلالٍ لمقومات معطلة أو لا يتم الاستفادة منها بكامل طاقتها، ثم جاذبية تمويلية لا يحققها إلا المبدعون، أما الآثار السياسية «السوبر» لهذه المشروعات والاجتماعية كذلك، فاذهب بخيالك إلى بعيد، أما عوائدها المادية، فصدقونى بشائرها من مبتدأها. يا سيادة الرئيس، بديهياً عندما استخدمت فى خطابك منذ شهور عبارة "يا أهلى وعشيرتى"، يقيناً كنت تقصد أن تبث نوعاً من الحميمية تجاه شعبك، ويقيناً أيضاً هكذا استقبلته أغلبية الشعب بتنوعها، عندما اخترق خطابك كله وجدانها، ولم يلتفت الشعب يومها، للكذابين المغرضين عندما سخروا وأوَّلوا هذه الحميمية بسذاجتهم المعهودة، بل وغضب الناس من سخرية هؤلاء العجزة الكذابين، وانتصروا لك. ولكن ويقيناً أيضاً اليوم أقول، إنك لم تترجم حميميتك تلك فى الخطاب، إلى انفتاح على مجتمعك كله، مخططٍ ومدروس، ومن ثم فلم تستثمرها لفائدة مزدوجة، لمصر ولك شخصياً أيضاً، كرئيس. إحنا هنخبط راسنا فى الحيط يا ريس وهنطق، من الفرص الضائعة والوقت كذلك، يرضيك كده يا ريس؟ [email protected]