بدأت محنة الحداثة عندما اخضع د.نصر حامد ابو زيد ، القرآن الكريم ، لمناهج النقد الادبي الحداثية (البنيوية والتفكيك) ، في بعض دراساته التي تقدم بها لجامعة القاهرة ، لنيل درجة "الأستاذية" .. ولم تأت المحنة فقط من هذه الجرأة ، التي جعلت محكمة النقض المصرية ، و هي أعلى هيئة قضائية في مصر ، تقر حكما سابقا بردته و التفريق بينه و بين زوجته ، و إنما جاءت أيضا من حجم "الجهالات" ، التي تضمنتها دراساته و التي اعتبرت في حينها أكبر فضيحة علمية تعرفها الجامعات المصرية منذ نشأتها عام 1924 . لقد احصى له ، على سبيل المثال ، د. محمد عمارة ، ما يزيد عن ثلاثين خطئا تاريخيا و علميا ، ادرجها تحت عنوان " قلة علم " و وصفها " بأنها لا تليق باستاذ متخصص في دراسة و تدريس الإسلاميات" ، وكان لافتا أن بعضها لا يقع فيها طالب علم مبتدئ كان اكثرها إثارة للسخرية أنه أي أبو زيد استولد الإمام الشافعي في العصر الأموي ، رغم انه ، رحمه الله ، ولد بعد نهاية الدولة الأموية ب 18 عاما !!. فضلا عن قيامه بعمليا تزوير فاضحة لنصوص اقتبسها ، من دراسة سابقة للشيخ محمد أبو زهرة ، صدرت عام 1948 عن "أبي حنيفة" كانت الحركة الحداثية العربية ، حتى ذلك الحين ، تنئى بنفسها بعيدا عن أي صدام (أو تواصل) مع محيطها السياسي او الاجتماعي ، كانت محض فعل نخبوي استعلائي ، كانت تتعمد بناء قطيعة جذرية مع الجماهير و الرأي العام ، إذ يقرر ذلك "أدونيس" و هو أعلى الأصوات الحداثية العربية صخبا بقوله : "ليس لي جمهور ، و لا أريد جمهورا" ، و في هذا الإطار يقول حداثي عربي آخر و هو محمد عفيفي مطر متسائلاً: " من القارئ ؟ أهو من يعرف القراءة و الكتابة ؟ أم طالب الجامعة ؟ أم المثقف ؟ أنا لا أعرف القارئ إنما أعرف ما أقوله أنا " . و في تقدير محمد عبد المطلب و هو بالمناسبة أديب معروف و قريب من الاوساط الحداثية العربية أن هذا الإستعلاء": تضليل .. يستهدفه الحداثيون و يمارسونه عن اقتناع، كامل بسبب كفرهم بمبدأ التوصيل أساسا " بيد أن ما عرف ب "أزمة نصر حامد أبو زيد " ، انزلت "الحداثة" من عليائها ، و اشتبكت ولأول مرة ، مع الرأي العام من جهة ، و مع مؤسسات الدولة (الرسمية و الأهلية) من جهة اخرى ، وشكلت في محصلتها النهائية أولى بدايات "محنة الحداثة" بالعالم العربي ، إذ أنارت هذه الأزمة ، ثلاث مساحات كانت تمثل بالنسبة للرأي العام مناطق مظلمة (أو غامضة) ، في التعريف بأهداف و غايات الاتجاهات الحداثية العربية ، أولها موقف الحداثة من الدين (انكارها للوحي والنبوة).ثانيها الوزن العلمي لروادها و الداعين لها (جهلهم بالحقائق العلمية و التاريخية الثابتة). ثالثها تخليهم عما تواضع عليه البحث العلمي من أخلاقيات (تعمد التدليس و تزوير النصوص لاستغفال عوام الناس و غيرهم من انصاف المثقفين). كان من أبرز النتائج المترتبة على هذه الأزمة ، أن فقد مصطلح الحداثة صدقيته ، بعد أن اتهم أبو زيد أكاديميا ب "الجهل و تزوير النصوص" و قضائيا ب "الردة" ، و أكدت ما ذكره "أدونيس" و هو و احد من اكثر الحداثيين العرب تطرفا ، عندما قال " إن الحركة الحداثية ، تمتلئ بالحواة والمهرجين " بيد أن اكتمال المحنة التي اجهزت على "الحداثة" ، في عالمنا العربي تقريبا ، جاءت بعد اسدال الستار على قضية "أبو زيد" ، بخمس سنوات ، عندما أصدرت وزارة الثقافة المصرية ، رواية "وليمة لأعشاب البحر" للسوري "حيدر حيدر" ، و هي من النوع الذي ينتمي فنيا إلى ما يسمى ب" أدب الجسد" ، و الأخير يمثل رافدا من روافد "الحداثة" ، في الشعر و الرواية ، والمسرح ، والسينما . و يرجع هذا النوع إلى آواخر ثلاثينيات القرن الماضي ، عندما ظهرت مجموعة من الأعمال تناولت حياة "البغايا" و طقوسهن في العوالم السفلية و المخملية ، ابتداء من اللبناني "توفيق يوسف عواد" في روايته "الرغيف" عام 1939 ، و مرورا بالشاعر العراقي بدر شاكر السياب ، في قصيدته "المومس العمياء" عام 1953 ، وصولا إلى المصري نجيب محفوظ في ثلاثيته "بين القصرين" عام 1956 ، و " قصر الشوق " و السكرية " عام 1957. كان هذا المنحى في بداياته الأولى يتحفظ في الولوج إلى وصف "تضاريس الجسد" ، بشكل مبتذل و رخيص و مسموم ، على النحو الذي بلغه في الثلاث عقود الأخيرة من القرن الماضي باسم "الحداثة" ، و يكفي في هذا السياق أن نعرض قائمة سريعة ببعض العناوين لهذا النوع من "الأدب" : "شهوة ملتبسة" ل نضال حمرانة ، "أوهام أيروسية" ل مي زيادة ، "لواطيات الجنابي" ل عبد القادر الجنابي ، "رائحتي شهية كالنعناع" ل ليلى العثمان ، "عن صبي يفوح جنسا" ل غالب هلسا ، "جسد سعاد حسني" ل عناية جابر، "في سرير الرفيقة" ل سعدي يوسف ، "هكذا أفهم الجسد " ل صباح خراط ، "أنا و العادة السرية" ل حميد العقابي ، "اغتصبت في صباي" ل خالد المعالي ، ملح على ثدي يرتعش ( خواطر سحاقية ) ل عالية شعيب ، " حلمت بحيوان يضاجعني" ل دنى طالب !! وللحديث بقية السبت القادم إن شاء الله تعالى [email protected]