لم أكن أتوقع أن يتحول برنامج "باسم يوسف" الساخر إلى أزمة يشتبك بصددها كبار القوم من السياسيين والأدباء والإعلاميين، وحتى المرشد السابق للإخوان المسلمين الأستاذ "مهدي عاكف"، مما يستدعي إلى الذاكرة لقاء جمع يومًا بين الرئيس عبد الناصر والرئيس (تيتو) على عرض مسرحي وكان العرض فيه نقد لاذع للطغيان والاستبداد، مما استفز "عبد الناصر"، وهمس للرئيس "تيتو" كيف تسكت على هذا؛ فرد عليه "تيتو": (إن الحاكم الذي يستفزه عرض مسرحي لا يستحق البقاء في منصبه!)، فشعب مصر بطبيعته شعب ساخر، يستخف بمعاناته ويحوِّل المأساة إلى "نكتة" يخفف بها همومه، ويسرِّي بها عن نفسه، وربما كانت "النكتة" أيضًا هي الطريق الأقصر للنقد السياسي في صورته المختزلة والعفوية والتلقائية، وخفة دم المصريين مسألة يشهد بها الناس في كل مكان، والميل للضحك حتى البكاء في أحلك الظروف هي عادة مصرية بامتياز؛ غير أننا كشعب غاص في بحر المشهد السياسي الحالي بكل ما فيه من عبث وعَكَر أصبحنا لا يطيق بعضنا بعضًا، وصارت (السماحة) وقبول النقد عملة نادرة، فقد أحرقت الأوضاع السياسية والبطء الشديد في الإصلاح والتغيير أعصاب الناس ولم يعد أحد يحتمل رأيًا مخالفًا لرأيه، وعلى رأي المثل:"الناس روحها بقت في مناخرها"، فلم تعد هموم الناس ومشكلات حياتهم اليومية تسمح للناس أن يبتسموا، وحتى فضائيات "النخبة المترفة" لم تركتهم ليلًا ليستريحوا بما تقدمه من برامج لها خلفيات معينة وأجندات معروفة تسعى لتنفيذها بأي ثمن وحتى ولو كان حرق أعصاب الناس، ولو استطاع المذيع من هؤلاء أن يقفز من الشاشة ليمسك بتلابيب المشاهد لفعل! لذا، وفي وسط هذا الزخم السلبي و"الخنقة" الشعبية من الأوضاع السياسية والاقتصادية بشكل عام؛ كان الظرف مواتيًا جدًا لتنامي ظاهرة "باسم يوسف" لا من حيث طبيعة المحتوى؛ بل بفكرة التناول الساخر الذي يميل إليه المصريون بطبيعتهم لاسيما وهم في هذا الظرف الاجتماعي المحتقن، وحالة الانسداد السياسي التي أتاحت لأفكار من عينة "باسم يوسف" أن تخرج بالمشهد من مظهر ال(البواخة) السياسية إلى حالة "التهريج" الفني على ما فيه من تجاوز وصراحة لم يحتملها البعض، وفي ذات السياق ، أعجبني الشيخ حازم أبو إسماعيل في رده على الإعلامي عمرو الليثي في لقاء سابق على قناة "المحور" حين سأله "عمرو" عن تقليد الفنان "عزب شو" له أي لأبو إسماعيل فرد الشيخ حازم بهدوء بالغ وبعفويته المعروفة: " والله ده شيء ظريف جدًا ولكن "عزب" محتاج لجسم سمين لينجح في تقليدي"، ومر الحوار بابتسامة لطيفة دون تشنج، مما يؤكد حالة الثقة بالنفس، ووضع "المهرج" في سياقه الطبيعي وتفويت الفرصة بل والحذر من الوقوع في فخ تحويل "المهرج" إلى ثائر ومعارض يحتاج أن نجيِّش له الجيوش وكأننا نبحث عن مخرج لحالة الفشل السياسي بافتعال معركة سخيفة مع "مهرج" لامع؛ بينما بلادنا تحرقها الفتن ونحن مشغولون بسفاسف الأمور.