السخرية من الإسلاميين ظاهرة قديمة في مصر، لكنها تعاظمت وتكاثفت بعد الثورة، وقد أصبح من المعتاد أن تتزايد حدتها قبل المواسم الانتخابية، لكن منذ تولي الرئيس محمد مرسي منصب الرئاسة، بلغت الظاهرة مستوى غير مسبوق في كثافتها وحدتها؛ فقد تجاوزت الخطوط الحمراء وقفزت فوق الأشخاص لتبلغ مستوى السخرية من الشعائر والعبادات والعقائد!. عندما يصرح بعض المعارضين بأنه سيقوم بتجريد ملابسه اعتراضًا على سياسات حاكمة، فهذه لغة جديدة تم استحداثها في مصر بعد الثورة، ولم نعهدها من قبل, تجردت علياء المهدي من ثيابها تمامًا باسم المعارضة! شباب وبنات رقصوا هارلم شيك بالملابس الداخلية في الشارع باسم المعارضة ! , 6 أبريل ترفع الملابس الداخلية في مظاهرة باسم المعارضة!, باسم يوسف وهاني رمزي يقدمون كوميديا إباحية ذات إيحاءات جنسية باسم المعارضة !, مجموعة من نساء آسفين يا ريس تهدد بالتعري تمامًا باسم المعارضة!, سوسن بدر تهدد بالتعري تمامًا أمام مدينة الإنتاج الإعلامي باسم المعارضة!, ومن قبلها عمرو أديب يهدد بالنزول عاريًا لو فاز مرسي باسم المعارضة ! ناهيك عن تصريحات الفنانين المتتالية بالتهديد بالتمثيل عرايا ولا يضيرهم حكم الإخوان ! بمضي الوقت ترسخت لدي قناعة بأننا نواجه أزمة تربية في مصر، والإعلام صار مشغولًا بالتسلية والتجارة والإثارة، ولم يعد مشغولًا بتوجيه الناس أو ترشيد سلوكياتهم، كما يحدث في أغلب الدول المتحضرة التي صدعونا بديمقراطيتها ليلًا ونهارًا. والنتيجة أن الأجيال الجديدة أصبحت تربى إما على التليفزيون، أو في النوادي والشوارع, ولم تعد لدينا جهات مسئولة ومعنية بمسألة التربية وتهذيب السلوك، لا أستطيع أن أعمم بطبيعة الحال, ولا أستطيع أن ألغي وجود شرائح من الشباب لا تزال قابضة على دينها، ولكنه في كل الأحوال، تحول بينهم وبين الظهور هذه السخافات. فلتتذكر مع أيها القارئ منذ أن بدأت الدعاية للانتخابات الرئاسية، وكانت جميع القنوات الفضائية آنذاك مكتظة بضيوف مرشحي الرئاسة الغريب في الأمر أنك كنت تلاحظ سؤالًا بات مرعبًا ومقلقًا للكثير من التيارات الليبرالية يكاد يعصف بتفكير مقدمي هذه البرامج إن لم يتم الإجابة عليه !! ألا وهو ما مصير ارتداء السياح البيكيني في مصر حال فوز مرشح إسلامي؟! خرج علينا بعدها المخرج خالد يوسف في تصريح شهير مفاده أن من سيقترب من حرية (الإبداع!) سنقطع يده وفي ذات الوقت أكد أن الإسلاميين لديهم هوس جنسي! ما يبثه التليفزيون وما يتناقله النت ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت متاحة لكثيرين من مواد فاضحة يقوم بفبركتها بعض رموز المعارضة أسهم في تضخيم بنية الغريزة التي تكفلت بإضعاف مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة (البيت والمدرسة خصوصًا) وهذا قد يبدو نتاج طول عمر النظام السابق، الذي استمر ثلاثين عامًا، وفر له فسحة كافية لتفكيك المجتمع وإعادة تركيبه من جديد بالمواصفات التي ارتآها مناسبة له، فإذا أردنا أن نتصارح فإننا لم نتعلم كيف نعمل معًا، وكيف يمكن أن نستخلص من الآخر أفضل ما فيه لتنتفع به الجماعة الوطنية، بدلًا من أن ننشغل بإبراز أسوأ ما في الآخر لإقصائه ونفيه من الساحة الوطنية بأفعال وألفاظ لا تمت للمعارضة بصلة !. محاولة الرئيس مرسي للاقتراب من طبقات الشعب عن طريق استخدام الألفاظ الشعبية تحول في الآونة الأخيرة إلى مسخ ترسخت في عقول بعض الدول الأخرى ( والتي لا تعرف تراثنا ) بأن مصر أصبحت ما إلا خلية يديرها رئيس بدوي وشعب لا يعرف سوى التعري والجنس، وذلك نتيجة ما يشاهدونه في الإعلام المصري والمعارضة اللذان تجردا من ملابسهما الثقافية أولا ثم البدنية لاحقًا، والسبب هو كونهم معارضين لسياسات رئيسهم! كنت أود أن تتجرد هذه المعارضة من هذه المهاترات والشحن الإعلامي العنيف الذي بدوره انعكس علي الشارع المصري لتقيم أداء الرئيس والحكومة بشكل موضوعي ومنصف لا بشكل تكسير العظام لتتم العملية الديمقراطية التي يسعى إليها الجميع. ختاما أرى أن أولى خطوات علاج أي مريض أن يعترف بمرضه، وهو ما لا أراه حاصلًا حتى الآن، رغم أننا لسنا كمصريين بالسوء الذي يعجزنا عن ذلك.. [email protected]