أثارت المفاجأة المدوية التي شهدتها انتخابات مكتب الإرشاد بجماعة "الإخوان المسلمين" بخروج الدكتور محمد حبيب والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أبرز الوجوه الإصلاحية داخل المكتب ردود فعل متفاوتة داخل الجماعة، ففيما اعتبر منتقدون أن ذلك يؤشر على وجود اتجاه داعم داخل مجلس شورى الجماعة ل "الجناح المحافظ" على حساب "الإصلاحيين"، يرى آخرون أن النتيجة جاءت معبرة عن إرادة أعضاء المجلس الذين يعتبر برلمان الجماعة لاختيار قياداتها التنفيذية خلال الفترة القادمة، رافضين بشدة النظر إلى الأمور من تلك الزاوية التي تتحدث عن انقسامات داخلية تؤشر على أجواء من التوتر وعدم الاستقرار داخل الجماعة. وأكد القيادي الإخواني الدكتور محمد جمال حشمت أن خلو مكتب الإرشاد الجديد من أقوى الشخصيات المحسوبة على التيار الإصلاحي كالدكتور محمد حبيب والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يؤكد ما قيل عن وجود توجه لاعتلاء الحريصين على التنظيم ومكانته بعيدا عن قضية الانفتاح على المجتمع، إلا أن ذلك لا يعني حد تزوير لإرادة مجلس الشورى فأعضاؤه ليسوا صغارا، لكن لا أحد ينكر أن هناك شبهات قد لا ترقى إلى مستوى الحقيقة بممارسة ضغوط، إلا أنها تبقى غير يقينية، وطالب الأعضاء المنتخبين أن يردوا على تلك الشبهات بصورة عملية من خلال إجراء حوار داخلي أو إجراء توافقي، أو تعديل للائحة أو تفعيل لمجلس الشورى، باعتبار هذا هو الرد العملي على كل ما يثار. وأضاف حشمت قائلا ل "المصريون" إن النتائج أوضحت ان الاتجاه العام لمجلس الشورى يميل إلى المحافظين أكثر من الآخرين من الإصلاحيين، لكن هذا لا يعنى التشكيك في نزاهة الانتخابات والطعن فيها بالتزوير، لأن الأعضاء أعطوا أصواتهم بشكل صحيح وتم الفرز بشكل نزيه، لكن المشكلة كمنت في العجلة التي صاحبت الإجراءات. واستطرد قائلا: "هناك شبهة مؤامرة والناس قلقلة خاصة بعد تصريحات الطرفين"، مؤكدا أن الجماعة لن تخرج من تلك الضجة المثارة إلا أن من خلال انتهاج المكتب الجديد سياسة توافقية تجمع بين الطرفين، وهما: طرف يهتم بالتنظيم والعمل الدعوى وآخر ينفتح على المجتمع ويقيم تحالفات مع الآخرين، والتيار الوسطي هو ما بين الاثنين، محذرا من إقصاء طرف على حساب طرف آخر ليس من مصلحة الجماعة ولا من مصلحة أحد. من ناحيته، قلل الدكتور محمد سعد الكتاتني العضو المنتخب لمكتب الإرشاد وزعيم الكتلة البرلمانية ل "الإخوان" من الجدل المثار حول خروج الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد من مكتب الإرشاد، قائلا إن ذلك يعكس رغبة عموم مجلس الشورى، الجهة التي تختار أعضاء مكتب الإرشاد، وإن الأغلبية لم تصوت له كما لم تصوت لآخرين غيره، ما أسفر عن خروجه بعدما أمضى 24 عاما في المكتب كعضو متميز. ورفض الكتاتني التشكيك في نتائج الانتخابات كما ذهب العديد من المحسوبين على "التيار الإصلاحي"، مؤكدا أن العملية الانتخابية جرت من خلال لجنة إشراف مستقلة شكلها المرشد بنفسه وطبقا للائحة لا يوجد بها أي شائبة ولم يتقدم أي مرشح بطعن واحد حتى اليوم، مضيفا: من لديه دليل مادي يؤكد غير ذلك فليقدمه. كما اعترض على الحديث عن وجود تيار إصلاحي وآخر محافظ داخل الجماعة، واصفا هذا بأنه كلام هراء تم نفيه عشرات المرات من قبل، مثلما اعتبر الكلام عن وجود صفقة مع الأمن لضمان تمرير الانتخابات بأنه كلام غير موضوعي وسخيف، فلا يوجد بين الجماعة وبين الدولة أي تعامل غير الإقصاء والاعتقال والتضييق ولم يسلم أحد من الجماعة من هذه التضييقات على مدار تاريخها. وعلى عكس توقعات الكثيرين ومخاوفهم من دخول الجماعة في أزمات تهدد وحدتها وتزعزع استقرارها، أبدى الكتاتني توقعه بأن الجماعة في ظل النتائج الحالية المعبرة عن اختيارات مجلس الشورى ينتظرها مستقبل مشرق. بدوره، هنأ الدكتور حمدي حسن المتحدث باسم كتلة "الإخوان" البرلمانية الجماعة أفرادا وقيادات والشعب المصري والأمة الإسلامية بنتائج الانتخابات، واعتبر أن وجود الجماعة قوية ومؤسسية نصر من الله للجميع، وأشار إلى أن إقصاء قادة سابقين لا يعنى شيئا سوى أن هذه هي الانتخابات. وتابع: لا يجب التركيز فقط على شخص الدكتور حبيب الدكتور عبد المنعم رغم تقديرنا لهما، فالجماعة ليست قائمة على شخص أو اثنين لأن هناك عددا كبيرا من الشخصيات التاريخية القائدة بمكتب الإرشاد الحالي، وهناك أيضا من خرج من الشخصيات الهامة، مثل مفتي الجماعة الشيخ عبد الله الخطيب وهو أحد كبار الشخصيات بالجماعة والدكتور لاشين أبو شنب. وأكد أن مكتب الإرشاد لم يشهد انتخابات منذ 1995، حيث جاء بعض أعضائه بالانتخاب والآخر بالتصعيد والتفويض، فأصبح غير معبر عن قواعد الإخوان الأصيلة، وأضاف أنه ولأول مرة يجرى انتخابات بمثل هذا الشكل المتكامل على جميع المقاعد عدا المهندس خيرت والمهندس محمد على بشر لوجودهما في السجون، وبالتالي جاءت الانتخابات وفقا لقرار مجلس الشورى ومعبره عن القواعد الإخوانية. ووصف التفاوت في الآراء التي قيمت الانتخابات سواء بالسلب أو الإيجاب بأنها تمثل شيئا إيجابيا، لأن كل ما نشر من آراء يظهر أن هذا لا يمثل سوى اختلاف في تفسير اللوائح لا أكثر وهذا شيء يشرف الإخوان ويؤكد أنه لا وجود لمبدأ السمع والطاعة كما يشاع، وإنما مبدأ الشورى هو المبدأ الأصيل، ورأى أن الفترة المقبلة فترة حساسة حيث ستشهد انتخابات الشورى والانتخابات البرلمانية والرئاسية، معربا عن اعتقاده بأن هذه الفترة موسم اعتقالات "فلابد من ترك ما مضى والنظر أكثر لما هو قادم". بينما قال المحامي الإسلامي مختار نوح، القيادي الإخواني السابق إن نتائج الانتخابات أكدت على ضرورة تغيير اللائحة لأن الفائز في هذه الانتخابات في ظل اللائحة الحالية معين أكثر من ما هو منتخب، وعاتب على من وافقوا على هذه اللائحة وأبقوها مدة العشرين عاما الماضية، وأعتقد أن الدكتور محمد بديع باعتباره الأقرب إلى نيل منصب المرشد لن يسمح بالاستمرار وفق هذه اللائحة وإنه سيسعى لتغييرها. وأضاف نوح أنه لن يقبل بنتيجة الانتخابات حتى لو أتى التصويت بأعضاء من الأنبياء والصالحين بمكتب الإرشاد، لأن النتيجة لا تعبر عن انتخابات حقيقية أكثر من كونها تعيين، مبديا توقعه بأن الجماعة ستواجه مشكلة حقيقية في المستقبل القريب مع الدولة إذا لم يتم تغيير هذه اللائحة وهي أنه لن يستطيع أحد من الجماعة تنفيذ مطالب الآخرين مع وجود هذه اللائحة، وتساءل: كيف تطالب الجماعة الدولة بالإصلاح التشريعي وبنزاهة الانتخابات في ظل عدم ضمان هذا داخل الجماعة في ظل وجود هذه اللائحة؟ وأكد أنه لن ينصلح حال الجماعة إلا من خلال ثلاثة أشياء وهي إنشاء المجالس المتخصصة على أن تكون آراؤها إلزامية وأن يتم اختيار أعضائها بالانتخاب لا التعيين، والاستعانة بأشخاص حتى لو كانوا من خارج الجماعة، الأمر الثاني تفجير اللائحة ودفن أشلائها باعتبارها من الذكريات السيئة، والأمر الثالث إلغاء نتيجة الانتخابات وإعادتها على لائحة جديدة يضعها المتخصصون من خارج الجماعة.