عبر سياسيون مصريون عن صدمتهم تجاه التطورات المفاجئة بجماعة "الإخوان المسلمين" التي طرأت على تشكيلة مكتب الإرشاد في ضوء نتائج الانتخابات التي أسفرت عن خروج الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهو ما أثار قلقهم من تداعيات ذلك على الجماعة التي تمثل أكبر جماعات المعارضة المصرية، حيث يُخشى من أن يكون ذلك مؤشرا على ميلها للانغلاق على نفسها في ظل هيمنة تيار "المحافظين" والمعروف بتقديسه للعمل التنظيمي على مقاليد الأمور داخل الجماعة. ووصف الدكتور عبد الحليم قنديل، المنسق العام لحركة "كفاية" خروج حبيب وأبو الفتوح بأنه "شيء محزن"، ورأى أن ذلك يؤشر على إضعاف التيار السياسي داخل الجماعة بعدما أكدت نتائج الانتخابات هيمنة التيار المحافظ على الجماعة، باستثناء الدكتور عصام العريان، أبرز الإصلاحيين الذين نجحوا في الانتخابات. وعبر عن خشيته من تداعيات التطورات الأخيرة على "الإخوان"، متوقعا أن تؤدي هيمنة التيار الديني وإقصاء التيار السياسي إلى تأثيرات سلبية على "الإخوان" فيما يتعلق بإمكانية اضطلاعهم بدور كبير خلال المرحلة الحاسمة المقبلة، في إشارة إلى التطورات المقبلة عليها مصر خلال العامين القادمين والتي ستسهم بشكل كبير في تحديد مستقبل الحكم بالبلاد. ورجح أن يكون لذلك أثر مباشر في تراجع الصوت السياسي للجماعة عما هو عليه حاليا والميل إلى عقد صفقات مع الدولة وجهاز الأمن، وابتعاد الإخوان أكثر فأكثر عن فكرة التحرك في الشارع، فمواقف التيار الديني ستصبح مرتبطة بأولية بقاء الجماعة ككيان أكثر من بقاء دورها في المجتمع، ومن هنا فالميل إلى التهدئة باتجاه النظام والميل لعقد صفقات مع الأمن تحديدا سيكون أكثر بروزا في الفترة المقبلة، على حد توقعه. وأشار إلى أن هناك شبهة حول وجود مؤامرة وصفقة أمنية مع "الإخوان"، حيث أن الأمن- ولأول مرة- لم يتدخل في انتخابات الجماعة، فللمرة الأولى يتم اجتماع مجلس الشورى بصورة شبة علنية، ويتم إعلان النتائج بهذه الصورة ولا نسمع عن تضييق من جانب الأمن، لافتا في هذا الإطار إلى مبادرة النائب الدكتور محمد البلتاجي بعنوان: "هدنة مع النظام"، التي تضمنت أربع بنود: أن يحدد الرئيس مبارك رئيسا للفترتين المقبلتين، وأن يتعهد بمشاركة الإخوان في انتخابات مجلس الشعب دون الرغبة في الحصول على الأغلبية أي بسقف ال 20%، ثم يسمح للإخوان بعقد مجلس الشورى علنا وهذا ما تم تحقيقه، وقد قيل وقتها للتنويه إن البلتاجي أحيل للتحقيق وتبين فيما بعد أن هذا الأمر لم يحدث. ورأى أن ما يحدث يصب في صالح النظام، لأن ما يهمه في المقام الأول هو إقصاء الجماعة أو جعلها تتكيف معه، مستبعدا أن يكون هناك حل توافقي تسعى إلى إيجاده قيادات المكتب الجديد للخروج من هذه الأزمة، لأن الكل يعلم أن المبدأ الأصيل هو مبدأ الطاعة وأن الضجة ستهدأ، كما استبعد حدوث انشقاق سواء من حبيب أو الفتوح، لكن ستطغى حالة من القلق داخل صفوف "الإخوان" وتزايد الاحتمالات باللجوء لوسائل الإعلام علنا للتعبير عن الغضب. من ناحيته، فسر الكاتب والمفكر جمال أسعد ما حدث بأنه يرجع إلى نجاح "تيار متشدد" في السيطرة على الجماعة وتمكنه من إقصاء نماذج مثل حبيب وأبو الفتوح وهي نماذج سياسية بالدرجة الأولى وتمرست على التعامل مع الفصائل السياسية بالشارع بالإضافة إلى العمل الدعوى، فقد كان الدكتور حبيب عضو مجلس شعب سابق، بينما وصفه الدكتور أبو الفتوح بأنه رجل له باع في العمل النقابي، إلى جانب أنه صاحب المواقف والآراء الإصلاحية الأكثر جدلا داخل الجماعة. واعتبر أن نتائج الانتخابات شكلت مفاجأة للرأي العام في مصر ومثلت صورة من صور الانقلاب، وألمح إلى أن ربما ذلك حظي بترحيب من الدولة، مضيفا أنه ولأول مرة يعلن عن إعادة انتخابات وتتم انتخابات بالتمرير ولا يتم عمليات الاعتقالات التي كانت تتم دائما في مثل هذه الأمور الانتخابية، ما دفعه إلى التساؤل: هل هناك يد للسلطة بصورة أو بأخرى غير مرئية وغير مباشرة لإحداث هذا الانقلاب؟ وهل تمريرها للانتخابات وتغاضيها عن شن حملة شعواء كعادتها جاء تحقيقا لرغبة الطرف المستفيد؟. ورأى أن لذلك تأثيراته الإيجابية بالنسبة للنظام، حيث قال إن ذلك سيصب في كل الأحوال لمصلحته، سواء بإحداث انشقاق في صفوف "الإخوان"، أو إثارة حالة من الذعر لدى الرأي العام عبر التأكيد على أن المتشددين استولوا على الجماعة، فتحدث حالة من المواجهة الرافضة لوجود الجماعة بشكل عام. غير أن الكاتب والباحث الدكتور رفيق حبيب، لم ينظر إلى التغييرات في تشكيل مكتب الإرشاد باعتبارها مفاجأة، قائلا إن أي انتخابات، تؤدى إلى خروج أسماء ودخول أسماء، إلى جانب أن الكل يركز الحديث عن خروج حبيب و أبو الفتوح، بينما لا يتم الحديث عن أسماء أخري خرجت من قائمة المكتب في الانتخابات الأخيرة تمثل اتجاهات مختلفة وليس اتجاها واحدا فقط. وتساءل: لماذا الحديث عن سبب يفسر خروج الدكتور أبو الفتوح وهو قيادة بارزة والتغافل عن ذكر الدكتور عصام العريان وهما ينتميان لتوجهات متقاربة؟ إلى جانب أنه يجب الوضع في الاعتبار أن بعض القيادات التي لم تدخل مكتب الإرشاد لم تحصل على فرصة الدخول بسبب عدد قليل من الأصوات، وهذا يعني أنها حصلت بالفعل على أصوات لكنها لم تصل إلى الحد الذي يؤهلها إلى الوصول إلى الفوز بعضوية المكتب. واعتبر أن الأمر في مجملة يتعلق بطريقة تفكير مجلس الشورى العام وقد حدث نقاش في الفترة الأخيرة حول أفضل الإجراءات وعرض الدكتور محمد حبيب وجهه نظره في الإجراءات المثلى، وهى وجهة نظر لها تقديرها واحترامها لكن غالبية أعضاء مكتب الإرشاد كانت لهم وجهة نظر مختلفة عنها وعادوا لاستطلاع رأى مجلس الشورى العام وأجروا الانتخابات على هذا الأساس، فبالطبع هناك رؤى مختلفة حول التطبيق الأمثل، وهذا لا يعنى أن هناك رؤية صواب ورؤية خطأ لكن الرؤى تراوحت ما بين الصواب والأصوب، لكن بالطبع كل شخص يرى أن رأيه هو الإجراء الأمثل والذي سيؤدى إلى نتيجة أفضل وله مبرراته التي يدركها بحكم معايشة للتفصيلات. وأكد أن مجلس الشورى راعى في اختياراته تحقيق التوازن في العمل السياسي والعمل الخيري والدعوى والتربوي خلال المرحلة المقبلة رغم غياب الدكتور أبو الفتوح والدكتور محمد حبيب مع المرشد محمد مهدى عاكف والذي يمثل مؤشر انخفاض الوزن النسبي للرموز المعنية بالتوسع في العمل السياسي. واستطرد قائلا: حالة الغضب الموجودة حاليا هي ضريبة الانتخابات لأن كل شخص له قناعته الشخصية إلى جانب أنها نتاج حالة التعبئة الإعلامية حول هذه الانتخابات والتي كانت لها تأثيرات سلبية لذلك يجب على أعضاء الجماعة تقبل النتائج.