يقولون أن الشعراء يسيرون بين ضباب المساء وشعاع السحر..لكن شاعرالعرب الكبيرفاروق جويدة خالف هذا الوصف وسار بنا فى عزالظهروالشمس فى كبد السماء بمقالتيه عن سيناء اللتين نشرتا بجريدة الشروق..كدت أسمع صوت صراخه متسائلا(لماذا تترك سيناء فراغا؟)وبعد أن أنهى مقالتيه..تصورت أن ردا أو تحركا من جانب المسئولين سيأتى مسرعا..خاصة وأن أحد أهم المسئولين فى عصرين متتاليين كان حاضرا فى المقالات(م.حسب الله الكفراوى)..وعبثا طال انتظاري.ولم يرد أحد ولم ينفعل أحد..عدم الرد والانفعال لم يعد غريبا إذا كان الموضوع يتعلق باستراتيجيه عليا من استراتيجيات أمننا القومى ..أذكر أنه من سنوات قليلة كتب الأستاذ محمود السعدنى –شفاه الله – فى مجلة المصورعن تجارب تمت بنجاح لزراعة القمح فى الصحراء الغربية ومنطقة الصالحية ومحافظة الشرقية..وتساءل عن سبب إهمال هذه التجارب وطلب ردا من أحد المسئولين ..ولم يرد عليه أحد.وموضوع زراعة القمح وتعمير سيناء من الموضوعات التى يتعامل معها الجميع بالتغافل المبين إلا أن ا /صلاح منتصر- والحق يقال - رد يوم الأربعاء 9 /12 فى عموده اليومى بالأهرام بشكل عابرفى معرض حديثه عن كتاب ا/أنيس منصورالجديد عن الرئيس السادات قائلا(على من ينادون بتعميرسيناء وإقامة مدن سكنيه فيها حماية لحدودنا الشرقية أن يتذكروا أنه تم احتلالها وبها أكبر حشد لقواتنا المسلحة وقتها لحمايتها)!..وكان يقصد شاعرنا الكبير..لنا أن نفترض أن ا/ صلاح منتصرالصحفى المخضرم لا يعلم أن من بديهيات الأمن القومى عدم ترك مساحات حدودية شاسعة فراغا لأنها تغرى بالتوسع خاصة إذا كان جارك كيان عدوانى توسعى قائم على فكرة الإبادة والإحلال إذا كان ا/منتصرلا يعلم ذلك وأنا على يقين أنه يعلم البعد الاستراتيجي لتعميرسيناء ونقل ربع سكان الدلتا إليها..وتفسيري لكلمته هذه هو إما أن هناك(ودا مفقودا)بينه وبين الأستاذ فاروق جويدة..فأراد أن يخالفه بأى شكل والتاريخ الخصومى للأستاذ منتصرمعروف.أو أنه من أهل(توشكى /فراولة)ذلك أن النخبة المصرية عندنا تنقسم إلى قسمين:(سيناء /قمح) وهم الذين يريدون تعمير سيناء والاستفادة الكاملة من ثرواتها السخية وإسكانها ربع المصريين والاكتفاء الذاتي الكامل من القمح كسلعة إستراتيجية والقسم الثانى(توشكى/فراولة)وهم الذين يريدون تعميرتوشكى رغم الصعوبة الشديدة والاستحالة الطبيعية..ويريدون زراعة مصر كلها فراولة وكنتالوب القسم الثاني أشهرمن أن يعرف سواء على المستوى السياسي أو الفكري أو القومي.أما القسم الأول فهو ما انفك يصرخ مناديا أن سيناء أمن قومي وثروة إستراتيجية..لن أتحدث عن الراحل الكبيرجمال حمدان وما قاله فى موسوعته(شخصية مصر)فذلك كله معروف ولكنى سأتحدث عن أحد كنوزمصرالتى يريدون لها الغياب فى طيات النسيان والتجهيل وهوالأستاذ الدكتورعبد الفتاح إسماعيل(1916-1972) صاحب(موسوعة سيناء)التى ساعده فى إعدادها ثلاثة ألاف عالم مصرى!! فى جميع التخصصات ومجالات التعميروالتى استغرق إعدادها 4 سنوات 1956-1960 وكان من أهم ما جاء فيها(..أن تعمير سيناء لإيجاد حاجزبشرى بين مصرواسرائيل يمنع عربدة إسرائيل فى هذه المنطقة الخالية من السكان)تضمنت الموسوعة مسحا شاملا لجميع جوانب الحياة فى سيناء الجغرافيا والتاريخ والسكان والجيولوجيا والمناخ والحالة المساحية ومصادرالمياه والزراعة والبترول والتعدين والمواصلات..ومما يذكر أنه من عام 56 عمل د .عبد الفتاح سكرتيراعاما للمجلس الأعلى للعلوم الذى أنشئ فى نفس العام لتقديم المشورة للدولة فى كل شأن من الشئون العلمية..وهو المجلس الذى تم حله عام 1961 وأنشئت مكانه وزارة البحث العلمى..كان من الممكن أن يتم تفعيل وتطبيق ما جاء فى الموسوعة من سنه 60 فورالانتهاء منها وهو الأمرالذى كان من الممكن أن يغيرالتاريخ العربي المعاصر..إلا أن الموسوعة أهملت وأهمل معها جهد ثلاثة ألاف عالم مصرى فى كل التخصصات على مدارأربع سنوات ويبدو أنهم جدوا وكدوا بعد معركه1956 م والتى تبين للجميع بعدها خطورة أن تترك سيناء هكذا فراغا وشتان بينها وبين مدن القناة فى تحقيق فكره الأمن الحدودى..جهدهم وكدهم لم يتم الانتباه إليه جيدا وكانت يونيو1967.. هزيمة كل يوم. الأمانة تقتضى أن نذكرأن كباررجالات العسكرية المصرية أمثال الفريق يوسف عفيفى واللواء منير شاش واللواء عادل مسعود واللواء محمد نبيل فؤاد جميعهم أكدوا – كل من موقعه- الضرورة القومية والإستراتيجية لتنمية وتعمير سيناء وإقامة مجتمعات عمرانية كاملة ونموذجية بها..تحقق الهدفين الأعلى لكل المصريين..الأمن القومي والاكتفاء الذاتي إن لم يكن الوفروالرفاهية.وفى النهاية أقول لشاعر العرب الكبيرلا يكفى أن تكتب كلمتك وتمضى..مكانتك وقيمتك تفرض عليك ما هو أكثر..لماذا لاتطلب مقابلة الرئيس مبارك وهو قبل أن يكون رئيسا كان أحد رجال العسكرية المصرية العظام.؟ وتطلب منه بأدبك المعهود تفسيرا بسيطا _يرحمنا من لعنات الأجيال القادمة_ لحالة(سيناء/قمح وتوشكى /فراولة).