مع لملمة عام 2009 بأحداثه الكئيبة أيامه الأخيرة، يبدو أن العام الجديد على موعد مع تحولات دراماتيكية تمس عصب الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. والفيلم المرعب لعام 2010 سيكون من بطولة حصرية واحدة. إذ تكشف أحداث الأشهر الأخيرة عن أن إيران ستكون البطل الوحيد في سيناريو متعدد النهايات، إن على المستوى الداخلي، أو على صعيد جبهات الصراع الخارجية المتأزمة بفعل تدخلات طهران في أكثر من بؤرة حساسة. هذه التحولات، لاشك وأن لها انعكاساتها المؤثرة على دول الخليج تحديداً. ليس التحرك العسكري الإيراني المكشوف لاحتلال حقول النفط في منطقة الفكة العراقية إلا حدث صغير في سلسلة متشابكة من صراع يشتعل. لكن الخطوة الإيرانية تبدو تصعيدأً ضد أكثر من طرف. فهي تريد القول للأمريكيين أن قدرتها العسكرية البرية قادرة على السيطرة بوضع اليد مباشرة فيما لو تم التخلي الأمريكيون عن المالكي الضعيف والمأزوم والمهدد بالتصفية في أية لحظة. والسيطرة هنا ستكون على النفط، الذي كلف الأمريكيين الكثير من المال والقدرات والأرواح وسمعة دولية مدمرة. كل هذا سيكون صيداً سهلاً بالنسبة لإيران ويمكن تحقيقه بكتيبة صغيرة، لا جيشاً دولياً مكلفاً. الرسالة الثانية هي في الواقع لتخفيف الضغط السعودي على الحوثيين الذين ذُهلوا من حجم الضربات المؤلمة التي وجهتهتا السعودية في صعدة. إيران باحتلالها حقول الفكة تريد أن تقول للعالم: مثل ما تم التغاضي عن السعودية لدخول الأراضي اليمنية هي (إيران) تستطيع أيضاً ضرب الأراضي العراقية الرخوة والتصرف فيها كيفما تشاء.. الطرف الثالث المخاطب بالخطوة الإيرانية هو الداخل الإيراني، الذي استطاع أن يكشف عن أجندة جديدة في يوم الطالب الإيراني في السابع من الشهر الحالي. فلقد بينت التحركات الجماهيرية الكبيرة في إيران أن الهدف ليس إعادة الانتخابات كما كانت في البداية، وليس الهدف أيضاً السير وراء مير موسوي أو خاتمي أو رفسنجاني. الهدف هو تغيير النظام برمته، لأن موسوي وبقية التيار الإصلاحي ما هم إلا وجه العملة الثانية لنفس النظام. وعلى أساس هذه الحقيقة تتصرف حكومة نجاد. فهي ترى التحركات الشعبية مشروعاً داخلياً وخارجياً لإزالة النظام وليس تغيير وجوهه. وأظهرت مشاهد حرق صور الخميني وخامنئي إعلان الانفصال عن هوية النظام. النظام الإيراني في صراع حقيقي وأزمة خانقة. فلقد غصت طهران بالماء، ومن رؤوس كبيرة محسوبة على تاريخ الثورة والنظام. فهو لا يستطيع القمع والتصفية المباشرة كي لا يتهم بقتل أبناء الثورة. ولا هو يستطيع ضبط إيقاع الشارع الشعبي لضخامة التحركات واتساعها جماهيرياً وجغرافياً. ولو كانت هذه التحركات خارج مناطق العرقية الفارسية أو المذهبية لكانت التصفية الدموية الهائلة سهلة ومبررة. والحمد لله أن الأعراق الأخرى من بلوش وعرب وأكراد لم تتحرك في مناطقها، وإلا أعطت فرصة ذهبية للنظام للخروج من أزمته الطاحنة بارتكاب مجازر لن يلومه أحد فيما لو أقدم عليها. أما ما يتعلق بالملف النووي، فيبدو أن طهران ومع نهاية العام، ستفقد ورقة اللعب على الوقت، لأنها أعلنت أكثر من مرة تجاوز مرحلة التراجع عن البرنامج. وهي خطوة جعلت حلفاء طهران ( الصين وروسيا) يقفان إلى جانب الطرف الأمريكي والغربي. للأسف وحسب المعطيات، سيكون 2010 عاماً أصعب من سابقه على أكثر من مستوى. وعلى هذا الأساس يجب أن توضع خطط العام الجديد، إن كانت هنالك خطط أصلاً. * أكاديمي بحريني