كانت العلاقة بين الحكام والمحكومين على مر العصور هي الشغل الشاغل للفلاسفة وفقهاء النظم السياسية وشراح القانون؛ وقد نقبوا قديمًا في الظواهر الاجتماعية والأعراف التي سادتها، ونظروا لاستخلاص قواعد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ووجد فلاسفة الغرب ضالتهم فيما سمي "بنظرية العقد الاجتماعي"، ومؤداها أن أفراد الجماعة تنازلوا عن بعض حقوقهم الطبيعية للسلطة الحاكمة؛ من أجل أن تتولى هذه السلطة حماية أمن وسلامة الجميع، عن طريق فرض القانون بالقوة والقهر أحيانًا للصالح العام، وأن تفريط السلطة الحاكمة في مهمتها يعتبر مسوغًا للخروج عليها وفصم العلاقة معها. وعلى الجانب الآخر في النظم الإسلامية كان نظام البيعة، حيث يختار أهل الحل والعقد رجلًا ليتولى أمر الأمة لجلب المنافع الدينية والدنيوية ودرء المفاسد والمضار عنها، وقمع الفتن وإقامة الحدود ونشر العدل بينهم وردع الظالم ونصر المظلوم. الخلاصة أن الحاكم في أي نظام سياسي نائب عن المجتمع، ومفوضًا منه لأجل فرض القانون ورعاية المصالح المشروعة لكل فئات الشعب، وأنه لا يجوز له التفريط في تلك المسئوليات. لكن يبدو أن الدكتور محمد مرسي رئيس الدولة بعد أن اختاره الشعب رئيسًا، قرر أن يرد للشعب بضاعته مرة أخرى؛ ليتولى الشعب بنفسه تنظيم أموره وتدبير احتياجاته؛ وإشباع رغبات أفراده كل حسبما يهوى، فأصبح الشعب يقيم قضاءه الخاص؛ ليقتص بنفسه من البلطجية والمجرمين، ويصلبهم جهارًا نهارًا، بعد أن أفلت شمس القانون، وغابت قوة النظام وساد نظام القوة، ولا يلام من اٌنتهك عرضه أو سٌلب ماله أو تهدد في نفسه؛ أن يدفع الخطر عن نفسه فتلك أبسط قواعد الدفاع عن الشرعي النفس، المكفول في كافة الشرائع. لكن هل يكون هذا سبيلنا والدولة غائبة تمامًا كموتى القبور؟ فالرئيس يقف مكتوف اليد ودماء الأبرياء تسيل، والممتلكات العامة تستباح، ومصالح الناس بها تتعطل، وتحرق الناس أحياء، وتحاصر المساجد، والممتلكات الخاصة والأعراض لا حرمة لها، والمجرمون يفرضون شروطهم على الشارع، والناس تكظم غيظها وتعتصم بصبر أيوب لعل الحليم يغضب، لاسيما أن الفاعل الذي يقتل ويحرق ويروع ليس مجهولًا، والمحرض والممول معلومان، والجهاز الإعلامي يحرض ويساعد ويزين الباطل ويلبسه ثوب الحق، وكلما سالت دماء صرح الرئيس بأن حق تلك الدماء دين في عنقه، ولا نعلم كيف تتحمل عنقه أوزار تلك الدماء! إن الرئيس عندما يرتدي ثوب التواضع، ويصرح أنه ليس له حقوق وإنما عليه واجبات، فهذا كلام يقبل من شخص لم يتحمل مسئولية وطن تنوء بمشاكله الجبال، لكن أنتم لكم حقوق وللشعب حقوق والتفريط في أيهما لا يقبل فكرامة الحاكم من كرامة علم الدولة وحرمة الأرض. والحقيقة أن المعادلة واضحة المعالم، فأكابر المجرمين لن يدعوك تعمل، ورهانك على صبر الناس لن يستمر طويلًا؛ لأنهم لم يمنحوك تفويضًا على بياض، فالحالة الاقتصادية متردية والأسعار في سعار دائم، لكن أن يأتي فوق كل ذلك، هذا الإجرام وسلطات الدولة تتفرج! هذا ما لا يمكن قبوله فالضغط يولد الانفجار، الذي إن حدث لا قدر الله لا تٌؤمن عواقبه ولا تعرف نتائجه. على الرئيس حتمًا أن يدرك الفتن قبل أن يستفحل خطرها، فليس مطلوبًا منك حيفًا بأحد أو جورًا على بريء، فقط اخرج وعلى رؤوس الأشهاد ملفات رؤوس الفتن، وافضح مخططاتهم، واتبع ذلك بإجراءات ناجزة سريعة فمن أمن العقاب أساء الأدب، وليكن للقضاء كلمته ليعلم الناس أبعاد المؤامرة وحدود أطرافها. الفرصة مازالت سانحة تطهير الداخلية والقضاء من أتباع العهد البائد فرض عين والتأخر فيه خطيئة؛ لأنهم يكسبون كل يوم أرض جديدة يتمددون فيها، وأصبحت جرأتهم واضحة، ولا شك أنه مؤامراتهم بلغت مسامعكم أو الدائرة الضيقة من حولكم فلما السكوت؟ السكوت على تلك الجرائم يعني الضعف أمام أو التماهي مع مرتكبيها. فإن كانت الأولى والفساد أكبر من قدراتك وسلطاتك فاعتق رقبتك من أوزار شعب أختارك وأنت الآن تفرط في حقوقه، وتئد أمله في الانعتاق من القهر والظلم والاستبداد والتبعية، وإن كانت الثانية فاتركها لغيرك ممن يستطيعون فرض القانون على رقاب الجميع، ويطهروا البلاد من أبناء أبي رغال وكلاء التخريب والفوضى الخلاقة. أصابع الاتهام الشعبية تشير إلى رموز جبهة الإنقاذ، ومن تحالف معهم سرًا وجهرًا في الداخل والخارج؛ لدفع البلاد إلى طريق الاحتراب والقتل، فلم السكوت هل تخشى من وراءهم؟ إنهم لم يستطيعوا حماية كنزهم الاستراتيجي أمام طوفان الغضب الذي أطاح به. المعادلة بسيطة ولا تقبل القسمة على متناقضين إما أن تكون بالفعل مع الشعب أو تحمل عاقبة أمرك. والله الموفق،،، بقلم محمد عبد العال أبو إسماعيل المحامي أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]