واقعة ينطبق عليها بجدارة قول الشاعر "إذا أراد الله نشر فضيلة طويت - أتاح لها لسان حسود "، فقبل شروع محافظة القاهرة فى هدم مبنى الجمعية الطبية الإسلامية لم يكن كثيرون يعلمون بأن هناك صرحا طبيا "خيريا " شامخا يحمل هذا الإسم محسوب على جماعة الإخوان المسلمين ، عمره ثلاثون عاما له 23 فرعا بين مستوصف ومركز طبى و مستشفى فى أنحاءالقاهرة وبعض المحافظات القريبة منها ، تكلف 40 مليون جنيه بالجهود الذاتية من تبرعات أهل الخير ، ،يقدم خدماته لأكثر من مليوني مواطن وفق إحصاءات وزارة التضامن الاجتماعي ،أسسه طبيب فاضل هو الراحل الدكتور أحمد الملط ، القائمون عليه يعملون فى صمت دون دعاية أو إعلان و دون أن يشعربهم أحد إلا المرضى الذين هم فى الغالب من الفقراء ومحدودى الدخل الذين يترددون على فروع الجمعية طلبا للعلاج بأجور " رمزية " فى زمن توحش فيه الداء وعز الدواء بفعل سياسات حكومة فاشلة وعاجزة . المشهد كئيب وحزين ، أشاوس المحليات تدعمهم قوات" الأمن " ومعدات شركة مقاولات كبرى يتقدمون ويواصلون زحفهم صوب مبنى الجمعية الرئيسى المكون من سبعة أدوار بأرض الجولف بمدينة نصر ، حاملين معهم معاول الهدم لإزالة المبنى الجميل صاحب الرسالة النبيلة ، قادة الركب منتفشون كالديوك الرومى كأنهم فى مهمة وطنية مقدسة سوف توفر الراحة والرفاهية والأمن والأمان للبلاد والعباد، معاول الهدم تعمل بهمة ونشاط لا ترى مثلهما فيما يتصل بمعاناة الناس اليومية ، سرعة الإنجاز والإحساس بقيمة الوقت عند " القوم " لا تظهر إلا فى الخراب والفساد ،المبرر المعلن هو ازالة مخالفات قانون البناء الموحد رغم أن هناك نزاع منظور امام القضاء وباقى أيام للفصل فيه ولا ندرى وجه الإستعجال لهدم مبنى خدمى يقوم بدوره فى تخفيف آلام الضعفاء والفقراء ، لم يقتنع أحد بأن تطبيق القانون وإزالة المخالفات كان هو الدافع الحقيقى وراء الهدم ، النائب " المستقل " علاء عبد المنعم كشف عن الإنتقائية فى التطبيق المزعوم للقانون قال فى مجلس الشعب " يجب على محافظة القاهرة إزالة 90% من مباني مدينة نصر، لأنها قائمة على مخالفات، متسائلا عن سبب العجلة في إزالة المبنى، وهل انتهت المحافظة من إزالة كافة المباني المخالفة ولم يتبق إلا هذه المستشفى التي تقدم خدمات للناس لتهدمها "؟ وحسب شهادة نقيب الأطباء وهو محسوب على الحكومة وعضو فى حزبها قال فى المجلس :" إن المستشفى تقدم خدمة طبية ممتازة بأسعار مناسبة، مما يتناقض مع غالبية المستشفيات الاستثمارية، مشيرا إلى أنه كنقيب للأطباء ليس لدية أية ملاحظات على أداء المستشفى" ، شهادات المرضى المترددين تفضح كتائب الخراب الزاحفة و تكشف ما كان مجهولا من الرسالة السامية للجمعية وتجعلك تتساءل فى حسرة لماذا لا يعمم هذا النموذج على نطاق واسع فى بلد إتسعت فيه رقعة المرض بطريقة مقلقة ومخيفة ، المواطن "ع خ" المريض بالفشل الكلوي الذي كان يعمل ساعيا بإحدى الشركات الخاصة ثم أقعده المرض، قال في غضب: "أقوم بغسل الكلى هنا مرتين أسبوعيا مجانا نظرا لظروفي المادية.. كما تعالج زوجتي من مرض الكبد، وأجرت قبل شهرين عملية جراحية بالمعدة مجانا.. فلو هدمت المستشفى هنتعالج فين؟! ليه الحكومة عاوزانا نموت؟!.. علشان فقراء يعني وقاطعته زوجته التي ترتدي عباءتها الريفية السمراء: "يعالجوني هنا مجانا، ويصرفون لي الدواء أيضا، وإن لم يصرفوه يعطيني الأطباء من أموالهم الخاصة حقه لأشتريه من الخارج "--- الغريب أن مشكلة هدم جمعية طبية خيرية فى مجتمع يفتك المرض بفقرائه ويحصدهم حصدا لم يجد الإهتمام " المناسب " من غالبية البرامج الفضائية التى تتابع الغث والسمين من الأخبار والأحداث ولا من أصحاب أعمدة الرأى وما أكثرها بل إن الصحف الموالية للحكومة رفضت نشر إستغاثة بالسيدة سوزان مبارك والمحافظ مدفوعة الأجر كإعلان ولكن إحقاقا للحق أن بعض أعضاء الحزب الوطنى إنضموا إلى الرافضين لهذا العدوان الهمجى، لو كانت الجمعية الطبية " الاسلامية " بفروعها وخدماتها فى دولة تقدرالجهد والكفاءة والإنجاز لإستحق القائمون عليها الدعم والإشادة والتكريم وبحثت عنهم البرامج الفضائية والأرضية ليكونوا ضيوفا فيها ، يشرحون التجربة ويقدمون القدوة ويدعون إلى تعميم النموذج وينشرون الأمل بين الجماهير التى تمكن منها اليأس والإحباط ،لكنها الخصومة السياسية قصيرة النظرضيقة الأفق المتحررة من كل خلق أو دين أو ضمير التى تجعلنا نقول لعن الله ساس ويسوس ومشتقاتهما .