تحدثنا في اللقاء السابق عن أحد نوعي الإساءة التي تنضح من بعض النصارى، وهو : استخدام وظائفهم وسلطانهم في ذل المسلمين. وحديثنا اليوم عن النوع الثاني من الإساءة وهو: التعاون مع أعداء المسلمين وموالاة الغزاة الماكرين. لم يلق النصارى ولا لغيرهم؛ ممن عاش في كنف دولة الإسلام: صدراً أحنّ من صدر الإسلام، ولا قلباً أرأف من قلوب أهله، ولا عدلاً أعظم من عدل قادته وحكامه؛ بيد أن أناساً تعودوا على قطع الأيدي التي مدت إليهم بالإحسان، والتآمر على الدول التي شملتهم بالرعاية والآمان، وهذا ما بدا وظهر من بعض النصارى والتاريخ يسجل لنا بعض هذه المواقف المخزية لهؤلاء، ومنها: 1 ذكر ابن كثير في أخذ التتار لدمشق قال: أرسل هولاكو وهو نازل على حلب جيشا مع أمير من كبار دولته يقال له " كتبغا نوين "....وتداعت القلعة للسقوط فأجابهم متوليها في آخر ذلك النهار للمصالحة، ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها وأعالي بروجها، وذلك في نصف جمادي الأولى من هذه السنة، وقتلوا المتولي بها بدر الدين بن قراجا، ونقيبها جمال الدين ابن الصيرفي الحلبي، وسلموا البلد والقلعة إلى أمير منهم يقال له: ابل سيان، وكان لعنه الله معظما لدين النصارى فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم فعظمهم جدا، وزار كنائسهم فصارت لهم دولة وصولة بسببه، وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفا وقدموا من عنده ومعهم أمان فرمان من جهته، ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤس الناس، وهم ينادون بشعارهم ويقولون: ( ظهر الدين الصحيح دين المسيح )، ويذمّون دين الإسلام وأهله، ومعهم أواني فيها خمر، لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمرا، وقماقم ملانة خمرا يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم، ودخلوا من درب الحجر فوقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان ورشوا عنده خمرا، وكذلك على باب مسجد درب الحجر الصغير والكبير، واجتازوا في السوق حتى وصلوا درب الريحان أو قريب منه، فتكاثر عليهم المسلمون فردوهم إلى سوق كنيسة مريم، فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى وذم دين الإسلام وأهله فإنا لله وإنا إليه راجعون. 2 نقل صاحب كتاب " النجوم الزاهرة في تاريخ ملوك مصر والقاهرة": أن الفرنج لما حاصروا أنطاكية مدة، نافق رجل من أنطاكية يقال له فيروز وكان نصرانيا وفتح لهم في الليل شباكا فدخلوا منه ووضعوا السيف وهرب شعبان حاكم أنطاكية وترك أهله وأمواله وأولاده بها فلما بعد عن البلد ندم على ذلك، فنزل عن فرسه فحثى التراب على رأسه، وبكى ولطم، وتفرق عنه أصحابه، وبقي وحده فمر به رجل أرمني حطّاب فعرفه فقتله، وحمل رأسه إلى صنجيل ملك الفرنج. 3 و نقل أيضا صاحب كتاب " النجوم الزاهرة في تاريخ ملوك مصر والقاهرة "عن أبي يعلى بن القلانيسي: أن قوما من أهل أنطاكية وكانوا نصارى عملوا وواطأوا الفرنج على تسليمها إليهم لإساءة تقدمت من حاكم البلد في حقهم ومصادرته لهم، ووجدوا الفرصة في برج من الأبراج التي للبلد مما يلي الجبل، فباعوهم إياه وأصعدوا منه في السحر وصاحوا، فانهزم ياغي سيان وخرج في خلق عظيم، فلم يسلم منهم شخص. 4 ولقد تكرر مشهد الغواية والخيانة في مطلع العصر الحديث عندما جاء بونابرت (1769-1821م) على رأس الحملة الفرنسية لغزو مصر (1213ه/1798م)، وألقى حبال الغواية لأبناء الأقليات الدينية، ووقع في هذه الحبال نفر من أقباط مصر، خانوا أمتهم وطائفتهم وكنيستهم. قادهم " المعلم يعقوب حنا" (1745-1801م) وكونوا فيلقاً قبطياً تزيّا بزي الجيش الفرنسي، وحارب المصريين وأذلهم لحساب الفرنسيين. ولقد تحدث مؤرخ العصر الجبرتي (1167-1237ه/1754-1822م) عن صنيع "بونابرت" مع هذه القلة الخائنة، عندما جعل لهم نصف عضوية "ديوان المشورة"، والسلطة الفعلية في الجهاز المالي والإداري وبعبارة الجبرتي، فلقد فوض الجنرال كليبر (1753-1800م) للجنرال يعقوب "أن يفعل بالمسلمين ما يشاء حتى تطاول النصارى من القبط ونصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب ونالوا منهم أغراضهم وأظهروا حقدهم، ولم يبقوا للصلح مكاناً وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحدين!". 5 الاستغاثة بالأم أمريكا : ففي أحداث الكاتدرائية المرقسية (مقر بطريرك الأقباط الأرثوذكس) المصاحبة لإسلام وفاء قسطنطين سمع العالم كله هتافات من داخل الكاتدرائية أقرب ما يمكن أن توصف به: خيانة عظمى "يا أمريكا فينك فينك.. أمن الدولة بيني وبينك"! وهي استغاثة بأمريكا الأم السفوق والصدر الحنون، إنها دعوة صريحة للتدخل الأمريكي لحماية الأقباط من اضطهاد " يشنشن" به من يطلق عليهم: أقباط المهجر. وفي واقعة الفيوم رُفعت لافتة بالإنجليزية تقول: " Christians under attack " أي (النصارى تحت وطأة الهجوم)، وقد كانت الكنيسة دائما ما تؤكد بأن أصحاب هذا التوجه ما هم إلا فئة ضالة، أصبحت ألعوبة في يد المخابرات الأمريكية، والصهيونية العالمية. ولكن يبدو أن الكنيسة في حد ذاتها قد وقفت هذا الموقف، ولم يكن الموقف لأقباط المهجر فحسب؛ وإنما كان من أقباط الداخل كذلك. 6 أقباط المهجر: وآخر هذه المواقف المخزية هو لمن يطلق عليهم أقباط المهجر، وهؤلاء يتم استخدامهم بأخس الطرق وأحقرها، حيث تدفع لهم الرواتب من الخزانة الأمريكية بالدولار الأمريكي، وأفظع ما في الأمر أن يعلن بعض المنتمين إلى هذه الطائفة على مواقعها على الانترنت عن حاجة المخابرات الأمريكية عن عملاء وجواسيس ممن يحملون الجنسية العربية برواتب مغرية تتجاوز الخمسة آلاف دولار. وكان موقع "العربية" قد نشر على صفحاته ما يؤكد هذه الفضائح المخزية، والعار المشين، قالت "العربية": ناشدت مواقع قبطية على الإنترنت رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون والحكومة الأمريكية التدخل في هذه القضية. كما طالب عدد من الأقباط المصريين غالبيتهم في الولاياتالمتحدة بحكم ذاتي للأقباط في مصر. وقد سعي عدد من أقباط المهجر في أمريكا وكندا، عبر بيانات وصلت للصحف المصرية، الاستنجاد بأمريكا وإسرائيل لحمايتهم، وطلب وساطة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون مع الحكومة المصرية. وأبدت مصادر رسمية غضبها مما تنشره بعض مواقع أقباط المهجر على شبكة الإنترنت من تحريض على الفتنة الطائفية في مصر، ومزاعم عن قصص لأسلمة زوجات كهنة، ودعوة أطراف خارجية للتدخل، خاصة بيان ل "الجمعية الوطنية القبطية"، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، وصل لصحف محلية، يطالبون فيه شارون بحماية الأقباط، والتدخل لدى الحكومة المصرية لمنع ما يسمى "اضطهاد الأقباط"، حيث "كان الأقباط أيام أجدادهم الفراعنة يحتمون باليهود ووزيرهم آنذاك يوسف الصديق، واليوم جاء دوركم"، وفق نص البيان. وقد قام المهندس مايكل منير رئيس منظمة أقباط الولاياتالمتحدة، وفق موقع "أقباط أمريكا" على الإنترنت، بإرسال عدة خطابات إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش وأعضاء الكونجرس الأمريكي، يحثهم فيها على التدخل لدى الرئيس المصري حسني مبارك، لإيقاف "مثل هذه الأعمال الإرهابية من قوات الأمن المصرية". وقالت إنه سيتم عقد لجنة سماع في الكونجرس عن الأحداث القائمة في مصر قريباً. الخاتمة وأخيرا فتلك صفحة الإسلام بيضاء نقية، لا يستطيع أحد أن يزايد علينا فيها، وليس على ملقي التهم، ومثيري الشغب؛ من مبغضي الإسلام، وكارهي أنفسهم: إلا أن يقرأوا الإسلام دون أحكام مسبقة، أو اعتقادات خاطئة عارية عن الدليل أو البرهان. إن أي نحلة من النحل أو ديانة من الأديان لن تستطيع أن تأتي بمثل ما جاء به الإسلام، ولا أن تعطي النصارى أو غيرهم من الملل والنحل مثل ما أعطاهم الإسلام، ولا عشر معشاره. والسبب في ذلك هو أن الذي أعطى هذه الحقوق ليس بشرا مخلوقا له ما له من الأهواء والميولات، وإنما هو إله خالق حكيم عادل، قال سبحانه: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14). أسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يرزقنا الرشد والسداد، وهو على كل شيء قدير، والحمد لله أولا وآحرا. هوامش: - انظر: البداية والنهاية / مرجع سابق/ ج 13 / ص 219 . - انظر: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة / مرجع سابق/ ج 5 / ص 146 . - انظر: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة / مرجع سابق/ ج 5 / ص 147 . - انظر: عجائب الآثار في التراجم والأخبار / الجبرتي/ تحقيق حسن محمد جوهر، وآخرون/ ط 1965/ ج5/ص 136. وانظر: في المسألة القبطية / د: محمد عمارة / ص 52 ، 53 / طبعة مكتبة الشروق القاهرة / الطبعة الأولى 2001 م . الاستعانة بالأم أمريكا ديدن الكثير من الأقباط في مصر، وورقة الأقلية الدينية والاضطهاد الديني يلجأ إليها أقباط مصر على وجه العموم، وأقباط المهجر على وجه الخصوص. - رغبت فتاتان هما: ماريان مكرم وتريزا إبراهيم، المتخرجتان حديثاً من كلية الطب في شهر إسلامهما، واتجهت الفتاتان إلى الشهر العقاري بالفيوم لتوثيق اعتناقهما للإسلام، وهنا تدخلت أجهزة الأمن، وطلبت من رجال الدين المسيحي في الفيوم الحضور لأحد فنادق المدينة لعقد جلسة نصح للفتاتين كما هو متعارف عليه عند إسلام أي نصراني ، والتي يقوم بعض الكهنة من خلالها بتقديم النصح بالبقاء على دينهما، وما أن علم أقباط الفيوم بما جرى حتى خرجت جموع حاشدة بالآلاف أغلبهم من الشباب للتظاهر داخل كنيسة مارجرجس يوم 27 فبراير 2004، احتجاجاً على عقد جلسة النصح!! وطالبوا بإعادة الفتاتين لأسرتيهما، وانتهت القضية بتلك الجلسة التي جرى خلالها (إقناع!) الفتاتين بعدم المضي قدماً في إجراءات الإشهار! - انظر: موقع العربية نت "www.alarabiya.net".