كثَّفت الولاياتالمتحدة من خلال مؤسساتها في الداخل والخارج جهودها الرامية إلى استقطاب الشباب العرب المهاجرين إلى أمريكا، للانضمام لصفوف القوات الأمريكية المنتشرة في العراق وأفغانستان اللتيْنِ تعدان أكثر منطقتين ساخنتين في العالم، حيث تسعى واشنطن إلى تقليل حجم خسائرها البشرية بأن تدفع بهؤلاء العرب إلى المقدمة كدروعٍ بشرية، وفي حال مقتل أحدهم فلا يسجل ضمن الخسائر الأمريكية، وإنما شأنه في ذلك شأن المجند المرتزق من أصول لاتينية. وتقدم أمريكا الكثير من المغريات للشباب العربي لأجل التجنيد في الجيش الأمريكي منها على سبيل المثال أن العراقي الذي يحصل على فرصة للتوطين بأمريكا يتم إغراؤه بأنه في حال خدمته بالجيش فسينال الكثير من الامتيازات، مثل أن يكتب في جواز سفره أنه أمريكي الأصل وليس أمريكيًّا من أصول عربية، إضافةً إلى توفير فرص عمل ورواتب مغرية ومِنَح دراسية. وقد أرسل الجيش الأمريكي خطاباتٍ إلى مئات العرب، خاصة الذين ترفض إدارة الهجرة الأمريكية منحهم حق الإقامة أو "الجرين كارد"، يغريهم فيها بتسوية أوضاعهم ومنحهم الجنسية وضمان حصولهم مستقبلًا على وظائف حكومية مرموقة داخل الولاياتالمتحدة، هذا كله بالإضافة إلى صرف مبلغ 80 ألف دولار لكل متعاقد، على ألا تقل فترة التعاقد للخدمة في الجيش عن ستة أشهر. دعاية مكثفة ولأجل ذلك وظَّفت أمريكا آلتها الإعلامية الضخمة، حيث يظهر في أحد الإعلانات التليفزيونية حفل عشاء في بيت أحد الأمريكيين العرب مع صوت مذيع يقول: "دولتك.. عالمك.. إنهما جديران بالحماية.. وظائف في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية", وتلتقط الكاميرا مشاهد مركّزة لتظهر أن حفل العشاء مقام في مبنًى عصري شاهق ثم لقطة للولايات المتحدة من الفضاء، وفي إعلان آخر يظهر خمسة من المهنيين العرب، وهم بالترتيب مهندس وعالم واقتصادي ومحامٍ وأستاذ جامعي، حيث يقولون بشكل جماعي: نعمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وكالة المخابرات المركزية من جانبها رفضت الكشف عن تكلفة حملة الإعلانات أو الأعداد التي تستهدف تجنيدها من العرب، لكنها والجيش ينفقان الكثير من الأموال لأجل تجنيد الشباب العربي في أمريكا، ففي شوارع ديترويت -حيث يقطن ما يقارب 300 ألف عربي- تنتشر الإعلانات في وسائل الإعلام المحلية من صحف وقنوات تليفزيونية، فضلًا عن ملصقات الشوارع، والتي تدعو الشباب العربي للانخراط في الجيش. كذلك الأمر في ولاية ميتشجان، حيث تنتشر إعلانات كُتب فيها: في أرض عامرة بالفرص، هذه واحدة منها ربما لم تخطر لك على بال، وظيفة في الجيش الأمريكي.. اتصل بالسيدة منى", والسيدة منى هي مرشدة اجتماعية وخبيرة لغوية من أصلٍ عربي تعمل مع إحدى الشركات التي تتولى تأمين وتوفير جنود للجيش الأمريكي، وتقوم باستقبال طلبات التجنيد للشباب المنحدرين من أصول عربية. وسطاء عرب وقد فضّل الجيش الأمريكي أن يكون الوسطاء عربًا بهدف كسر الحاجز النفسي، حيث تقوم لجنة مشكَّلة من عرب من جنسيات مختلفة بمقابلة الشاب المتقدم للتجنيد، وتشمل اللجنة خمس شخصيات عربية، وهي عراقي ومصري وأردني وقطري وفلسطيني، فيما يروي عددٌ من الشباب أنهم تلقَّوْا اتصالات هاتفية من أشخاص يتحدثون العربية بلهجة أردنية وعراقية، لترغيبهم في العمل مع الجيش الأمريكي في العراق، مقابل تسهيل حصولهم على الإقامة الدائمة، وغضّ الطرف عن مشاكلهم مع إدارة الهجرة الأمريكية. كما يتمّ تضليل الشباب العربي عبر إيهامه بالسفر للعمل في دولة خليجية ليجد نفسه بعد ذلك يعمل في قواعد الجيش الأمريكي، وهو ما حدث للشاب المصري "أشرف" الذي سافر كمترجم في قطر، ولكنه وجد نفسه يعمل في إحدى القواعد الأمريكية الكبرى في الخليج، حيث كُلِّف ورفاقه بترجمة تقارير وملفات ووثائق تتعلق بالمقاومة العراقية قبل أن يدرك طبيعة المخطط ويعود إلى القاهرة، وهو ما يعني أن المخطط الجديد لا يستهدف فقط تجنيد الشباب في الجيش الأمريكي، وإنما أيضًا في دوائر استخباراته للقيام بمهام تجسسية. نجاح محدود وبعد استعراض كل هذه المغريات، يبقى التساؤل هو: هل نجح البنتاجون في استقطاب الشباب العربي لتجنيدهم في صفوف الجيش الأمريكي؟ الجيش الأمريكي خلال العامين الماضيين تمكَّن من اجتذاب عدد من المترجمين، فقد جنّد عام 2006 زهاءَ 277 منهم، بينما جنَّد عام 2007 أكثر من 250 شخصًا, لكن هذه الأرقام وفقًا لطموحاتهم لم تشكل شيئًا، حيث يقول الرقيب ماريو بنديراس، 39 عامًا، وهو من أصول لبنانية، وخدم في العراق عام 2005 قبل أن ينضمَّ إلى الوحدات المكلَّفة بالبحث عن مجندين جُدُد: "كنت أعتقد أن بوسعي التحدث إلى هؤلاء الأشخاص (المنحدرين من أصول عربية) وأقنع اثنين أو ثلاثة منهم يوميًّا بالانضمام إلى الجيش.. لكن هذا لم يحدث"، وأضاف بنديراس: "عندما يراني الناس هنا مرتديًا الزي العسكري يقولون لي: هل أنت في الجيش الأمريكي؟ هل أنت في العراق تقتل أبناء جلدتك؟!". ويؤشر ذلك إلى أن أكثر العرب في أمريكا يكرهون العرب الذين ينضمون إلى القوات الأمريكية, وعندما نشرت بعض الإعلانات في الصحف النمساوية تدعو العرب للتطوع في الجيش الأمريكي، كان أغلب المتقدمين من المغرب العربي، وعند مقابلتهم للَّجنة التي تستقبل طلبات التجنيد، والتي تضمّ عراقيين، اشترطت عليهم أن يكون التدريب في القاعدة الأمريكية في ألمانيا وبقرية مغلقة وشبيهة بالمناطق العراقية لكي يرسلوهم إلى هناك، وحالما أدرك المتقدمون أن المهمة هي نحو العراق، رفضوا واستنكروا، وقالوا: إنه تم التغرير بهم، ورغم وجود بعض العرب ضمن صفوف الجيش الأمريكي إلا أن أغلب هؤلاء دوافعهم هي دوافع مالية ومادية، مع يقين الكثير منهم بأنهم مجرد مرتزقة، قل عددهم أو كثُرَ المصدر: الإسلام اليوم