«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرن من الهِجرة إلى فرنسا... ما الذي تغيّر؟
نشر في المصريون يوم 12 - 12 - 2009

تستَعدّ أوساط المُهاجرين المغاربيين في باريس لإقامة احتفالات خاصة مطلَع الشهر المقبل، بمناسبة ذكرى مرور قرن على انطلاق هجرة العمّال من شمال إفريقيا إلى فرنسا.
ويُشرف على هذه الاحتفاات، التي ستُقام في قصر الباب الذهبي Le Palais de la Porte Dorée، الناشِطان المغربي إدريس اليازمي والتونسي كمال الجندوبي.
ويحتضن القصر، الذي أنشأه ألبير لابراد في 1931 بمناسبة المعرض الاستعماري الدولي، حاليا المركز الوطني لذاكرة المُهاجرين الذي يمتَد على مساحة 16 ألف متر مربع.
ويُعتبر الجندوبي، الذي كان يرأس جمعية التونسيين مواطني الضفّتيْن ويرأس حاليا الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان، أحد الوجوه البارزة للجالية التونسية في فرنسا، فيما يرأس اليازمي "مجلس الجالية المغربية في الخارج" منذ إنشائها، بموجب ظهير (مرسوم) ملكي في 2007، وهو يُردِّد دائما أنه يسعى من خلال ذلك المجلس، إلى إقامة جِسر بين مغاربة الداخل ومواطنيهم المغتربين في أنحاء العالم. واللافت، أن اليازمي هو مُخرج مشارك في فيلم يحمل العنوان العجيب "فرنسا ... أرض الإسلام".
وترعى الاحتفالات جمعية "جينيريك" الفرنسية، التي تُعنى بإعداد أشرطة وثائقية وبرامج إذاعية وأنشطة ثقافية عن الحضور الأجنبي في النسيج الاجتماعي الفرنسي، بالإضافة لسعيها الدؤوب، للتفتيش عن وثائق مكتوبة أو مُصوَّرة تحكي قصّة الهجرة والمهاجرين في فرنسا منذ بواكير القرن الماضي.
وتملك الجمعية، التي تأسّست في 1989، رصيدا وثائقيا خَصبا مؤلّفا من نحو 4000 معلّقة وصحيفة و1200 كِتابا، من شأنها أن تعيد إلى الأذهان مقاطِع متكاملة من ذاكرة المغتربين الذين استقرّوا في فرنسا ويمكن القول أن الاحتفالات بذكرى مِئوية الهجرة المغاربية واستطرادا الإفريقية، إلى أوروبا، امتدّت على كامل السّنة الجارية وكان من أبرز محطّاتها الندوة الدولية التي استضافها المغرب في مارس الماضي وجمعت للمرّة الأولى الهيئات الوطنية المسؤولة عن المُغتربين في البلدان المصدِّرة للمهاجرين.
وقال اليازمي ل swissinfo.ch، "إن مشاركة البلدان المعنِية في الندوة الدولية، عكست رغبتها في تعزيز الوشائج الثقافية مع مهاجريها وتبادل التجارب في هذا المجال للاستفادة منها"، ورأى أن هذا الاهتمام المتزايد بقضايا الهجرة يُعزَى إلى التحوّلات العميقة التي تمرّ بها هذه الظاهرة وعَوْلمة التنقّلات البشرية وتطوّر الوضع القانوني للمهاجرين في بلدان الإقامة، بالإضافة إلى التغييرات التي طرأت على طابع الهِجرة في البُلدان المُصدرة نفسها، التي تحوّلت تدريجيا في السنوات الأخيرة من بلدان مُصدّرة إلى بلدان عبور، وخاصة البلدان المغاربية.
وقال اليازمي ردّا على سؤال، "إن الجاليات المهاجرة، وإن شكَّلت في بعض البلدان مصدرا لتوتّرات اجتماعية وجدل سياسي وإعلامي في شأن التضامن بين مكوِّنات المجتمع، فإنها ساهمت في بلدان أخرى في تكريس التقارُب بين الثقافات وحتى بين الحكومات"، واعتبر أن إنشاء البلدان المُصدِّرة للهجرة لهياكل تُعنَى بالجاليات المُغتربة، أداة مهمّة لتعزيز الروابِط مع أبنائها في الخارج.
غير أن اليازمي كشف نتائج دراسة عِلمية أشرف على إعدادها "مجلس الجالية المغربية في الخارج" في وقت سابق من العام الجاري، بمناسبة مئوية الهجرة، وشملت عيِّنة من 2819 مهاجرا، يُراوح سِنِّهم بين 18 و65 عاما ويُقيمون في كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا.
وأظهرت الدراسة أن أوضاع المهاجرين المغاربة تتّسم بالهشاشة في كل من إسبانيا وإيطاليا وبالتوتُّر في هولندا، حيث تُسيْطر الأحزاب اليمينية المتشدِّدة ضدّ المهاجرين، وباستقرار نِسبي في كل من ألمانيا وفرنسا.
انفتاح أم انطواء؟
واستخلص اليازمي من تلك الدراسة استنتاجات أساسية تخُصّ بنية الهِجرة، انطلاقا من العيِّنة المغربية، ومنها أن المهاجرين المغاربة، على رغم تشبُّثهم بجذورهم، فإنهم يُبدون انفِتاحا كبيرا على البيئة الخارجية، أي على ثقافة بلدان الإقامة، لكنه أكّد أن المغاربة المُستجوَبين صرّحوا بأنهم يشعرون بالتّمييز بشكل عام في أوروبا وأن ذلك الشعور يؤثر في نفوسهم، وربّما تُفسِّر هذه الظاهرة شدّة الروابط التي ظلّت تشدّ المهاجر المغربي إلى وطنه.
فبحسب الدراسة، صرّح 7 مغاربة من أصل عشرة أنهم يعودون مرّة في السنة على الأقل إلى بلدهم، كما صرح 6 من أصل عشرة أنهم يُرسِلون بشكل منتظم حوالات مالية إلى أهلهم، مما يدلّ على قوة الروابط الأسرية.،كما أعلن نصف المهاجرين المُستجوَبين أنهم يعتزِمون العودة للإقامة في بلدهم بعد المعاش.
لكن الدراسة أشارت أيضا إلى وُجود ظواهِر معاكسة، إذ أجاب 68% من المُستجوَبين بلُغة بلد الإقامة وصرّح 78% بأنهم حصلوا على جنسية بلد الإقامة أو في سبيلهم إلى الحصول عليها، وكشف 64% أنهم يَستخدِمون لغة بلد الإقامة داخل بيوتهم، فيما قال 55% إنهم مهتمّون بالشأن السياسي في بلد الإقامة.
واعتبر اليازمي أن هذه المؤشِّرات تدُلّ على أن المهاجرين بصدد الإنغراس أكثر فأكثر في بلدان الإقامة، وأن وضعهم الاجتماعي يتحسّن بصعودهم المُتواصل في سلّم الوظائف المهنية.
وعلى رغم أن جميع البلدان في أوروبا الغربية تقريبا شعرت بالحاجة للقوى العاملة المُهاجرة واستقدَمَتها من المُستعمرات منذ أواخر القرن التاسع عشر، رأت ميشال تريبالا Michele Triballa، الباحثة الديموغرافية في "المعهد القومي للدراسات السكاني"، أن موقع فرنسا الجغرافي والتجاري أهّلَها لكي تكون أول بلد يستقطِب المهاجرين في بواكير القرن الماضي وتمتزج فيه الجنسيات والثقافات، لكنها اعترفت بأن حجْم المهاجرين في فرنسا حاليا، يقل عن متوسّط حجمهم في البلدان الأوروبية الأخرى بمرّتيْن ونصف المرة.
وقال العالم الجغرافي روبير إسكاليي Robert Escallier ل swissinfo.ch: "لا يوجد في فرنسا نِظام دقيق ومُرضي لاحتساب منسُوب تدفّق المهاجرين، وفتح هذا النقص مساحة من الشكّ أمام بعض السياسيين ووسائل الإعلام، التي لا تعير كبير اهتمام للأخلاق لكي يستثمروا (تزايد) أعداد الأجانب من أصول مغاربية، وقودا لدعايتهم ولبث الخوْف، مُحاولين ترسيخ الفِكرة القائلة بأن فرنسا أصبحت "خاضِعة لتعليمات المساجِد".
وأوضح أن نسبة الأجانب المُنحدرين من أصول إفريقية، الذين كانوا يُقيمون في فرنسا قُبيل اندلاع حرب التحرير الجزائرية (1954)، لم تتجاوز 1% من إجمالي الأجانب المُقيمين في البلد، غير أن حجْمهم زاد بسُرعة لافتة للنّظر في سنة 1964، إذ وصلت النِّسبة إلى حوالي 25% لتقتَرب من 43% من الأجانب في 1982. وأكّد أن تنامي حجْم السكان الأجانب في فرنسا بات راجِعا بالأساس إلى الزيادة السريعة في أعداد المهاجرين الآتين من القارّة الإفريقية.
وانطلاقا من تلك الفترة، صار هناك مهاجِر واحد من كل اثنين يعيشان في فرنسا ينحدِر من العالم الثالث، وفي الغالب من مُستعمرة فرنسية سابقة. ومن ضِمن المجموعة الإفريقية، كان المغاربيون (عدا اللِّيبيين وقليل من الموريتانيين)، يُشكِّلون غالبية مُريحة، فهُم كانوا يُمثِّلون 95% من العدد الإجمالي في 1968 وظلّوا يمثِّلون 90% في عام 1982.
نصف الزيادة
وكشف إسكاليي، الذي يُدرِّس الجغرافيا البشرية في جامعة "نيس"، بعض الخصوصيات ضِمن المجموعة المغاربية، إذ أوضَح أن الإحصاءات عن فترة نهاية الستينات أفادت أن ثلاثة من كل أربعة مهاجرين مغاربيين، ينحدرون من منطقة القبائل أو المناطق الجزائرية الأخرى المصدِّرة للمهاجرين، لكن المغاربة أصبحوا بعد ذلك، المجموعة الأكثر حيَوية بين الوافِدين على فرنسا.
وقال "إن الزيادة السريعة للجالية المغربية، أصبحت تُؤمن لوحدِها نصف الزيادة الجُملية المسجّلة للجاليات الأجنبية في فرنسا بين 1975 و1982"، وعزا ذلك إلى صِغر سِنّ المهاجرين المغاربة، ما يعني ضعف نسبة الوفِيات بينهم وخصوبتهم المُرتفعة، ولكن أيضا إلى نجاح سياسات لمِّ الشّمل وضعف نسبة التّجنيس بينهم، وأضاف أن زيادة توافد التونسيين الذين كانوا يحملون المُواصفات نفسها، لم تكُن ضئيلة (36% بين 1975 و1982)، على رغم أن عددهم الإجمالي بقِي متواضعا.
ولخّص إسكاليي استنتاجاته ل swissinfo.ch في شأن خصائِص الهِجرة المغاربية، بالتأكيد على سِمتيْن رئيسيتيْن، أولهما، أنها تتّسم بضعف نِسبة العودة النهائية إلى الوطن الأصلي، على رغم مشاكل الاندماج ومصاعب التشغيل التي يُواجهها هؤلاء المهاجرون. والثانية، هي نجاح تجربة جمْع شمْل الأُسَر، وهو ما جعَل عناصِر تنشيط الهجرة تكون أقوى من عوامِل التخفيف منها.
أما عالم الاجتماع عبد الملك الصياد، وهو باحث في مركز البحث العِلمي الفرنسي، فسألته swissinfo.ch عن خصائِص الهجرة الجزائرية، التي تُعتَبر العمود الفِقري للهجرة المغاربية والإفريقية عموما إلى فرنسا، فهي الأقدم بحُكم الاحتلال المبكّر للبلد (1830) وحجمه السكاني، الذي يفوق جيرانه، عدا المغرب. وربط الصياد أهمية الهجرة الجزائرية نحو فرنسا بالأشكال التي ارتداها الاحتلال في هذا البلد وطبيعة النظام الاستعماري المُطبّق في كل منطقة من مناطقه.
وقال "إن مشروع الهجرة ما كان مُمكنا تصوّره وتجسيده، ما لم تكُن التوازُنات السابِقة قد اختلت بفعل الإحتلال"، مشيرا إلى أن الأرض التي كانت حجر الزاوية في النظام التقليدي، هي أول ما استُهدف من خلال عمليات الانتزاع، وأشار إلى أن عمليات إعادة تقسيم الأراضي لتخصيص جُزء منها للمُستوطنين بين 1847 و1863، جعلت أفراد القبائِل يُحشرون في قِسم ضئيل من أراضيهم السابقة، لكن الاقتصاد التقليدي الجزائري، كان يقوم على أن الأرض الزراعية، سواء أكانت مِلكا خاصا أم أرض العرْش (القبيلة) غير قابلة للقِسمة ولا للتفويت فيها.
وأجبر الوضع الجديد الفلاّحين على بيْع قوّة عملهم في سوق الشّغل، خصوصا بعد دخول نمَط الإنتاج الرأسمالي بواسطة القوّة إلى مناطِق لم تعرفه من قبْل، ممّا أدّى إلى انهيار الزراعة التقليدية وإفقار المزارعين.
الحرب وإعادة الإعمار
وأشار الصياد إلى أن السكان الجزائريين دُفِعوا إلى مناطق جبلية وأراضي قليلة الخصوبة، قبل أن تحلّ الحرب العالمية الأولى وتُجبِر كثيرا منهم على الانخراط في الجيش الفرنسي أو تُسخِّرهم للعمل في الصِّناعات الحربية وحفر الخنادق. وقدّر المؤرخ الفرنسي شارل روبير أجرون أعداد الجزائريين الذين تمّ تجنيدهم لخِدمة العَلَم الفرنسي في تلك الحِقبة، ب 240 ألف جزائري، أي أكثر من ثُلث السكان الذّكور الذين يُراوح سنّهم بين العشرين والأربعين.
ويستنتج الصياد من هذه الأرقام، أن مسار الهجرة بدأ في الواقِع بواسطة الإكراه، ليس فقط لتجنيد الجزائريين من أجل المشاركة في الحرب، بل أيضا بعد نهايتها، للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد الفرنسي وتعويض النّقص المسجّل في العمالة الفرنسية. ويتوقّف عند هذه الحِقبة الانتقالية، ليشرح أن حركة الهِجرة الجزائرية، التي انطلقت في بواكيرها بدافع التّعويض الوقْتي لنقْص الأيْدي العاملة الفرنسية، سُرعان ما أصبحت مدفوعة بالتّعويض الدائم للعمّال الفرنسيين الذين تخلّوا بشكل نهائي عن العمل في بعض القطاعات، وهي ظاهرة ما زالت مُستمرّة إلى اليوم، على حد قوله.
بهذا المعنى، أصبح المهاجرون واقِعا لا يمكن الاستغناء عنه في المُجتمع الفرنسي والأوروبي عموما، وهو ما شكّل ورقة مهمّة بأيْدي المهاجرين للدِّفاع عن حقوقهم. ومن أطرف وسائل الدِّفاع التي ابتَكروها أخيرا بعد اللّجوء للمظاهرات والإضرابات ووسائل الاحتجاج التقليدية، مشروع "يوم بلا مُهاجرين" أو "24 ساعة بدونِنا"، وهو شعار حملة تعبِئة بدأت في أوساط المهاجرين وأبنائهم وتستمِر حتى مطلع مارس المُقبل، لتُتوَّج بإضراب عن العمَل والاستهلاك لمدّة يوم واحد، ينفِّذه المهاجرون في عموم المناطِق الفرنسية. والهدَف من هذه الحملة، هو إظهار ما ستبدو عليه فرنسا من عجْز بلا مُهاجرين، وإثبات وزْن هؤلاء على صعيد النشاط الاقتصادي والحياة الاجتماعية.
ونبتَت فِكرة تنظيم هذه الحملة في ذِهن نادية المباركي، الصحفية من أصْل مغربي، بعد الضجّة التي أثِيرت حوْل زلّة لِسان صدرت في أواخر الصيف الماضي عن وزير الداخلية الفرنسي بريس هورتفو، الذي خاطب أحد الشبّان من أعضاء حزب «الاتِّحاد من أجْل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم) قائلاً «عندما يكون هناك واحد منهم فقط فلا بأس، لكن عندما يكونون كثيرين، تبدَأ المشاكل»، وكان الدّافع وراء هذه الزلّة التي برّرها هورتفو لاحقاً بالمزاح والتودّد، ملامِح الشاب التي توحِي بأنه من أصل شمال إفريقيا.
وأشارت المباركي إلى أن هفوة هورتفو هذه شكّلت ما يُشبه الشّرارة التي دفعتها إلى التحرّك وإرضاء رغبتهِا الدفينة في العمل على وقْف الازدِراء المُتبع في فرنسا حِيال المهاجرين والفرنسيين من أبنائهم، وهكذا استوحَت مبادرتها من يوم الاحتجاج والمقاطعة، الذي نظمه أبناء الجاليات الأمريكية الجنوبية في الولايات المتحدة في أول مايو 2006، لإظهار دور المهاجرين الهامّ في حُسن سيْر العجلة الاقتصادية الأمريكية.
وشدّد الناطق باسم الحملة نادر دندون على أن مواقِف التّمييز ضدّ المهاجرين، لا تقتصر على هورتفو، بل تشمَل الكثير من المسؤولين. وفتح المبادرون موقِعا للحمْلة على الإنترنت مفتوحا أمام الجميع، أي المهاجرين والمُتعاطفين الآخرين معهم والمُدركين لكون الهِجرة مصدر إثراء وتنوّع. وهُم يأملون أن تُساهم الحملة، وخاصة يوم المقاطعة، في إظهار مدى استِياء المهاجرين من تحميلهم المسؤولية عن مُختلف الآفات الاقتصادية والاجتماعية التي تُواجهها فرنسا وسائِر البلدان الغربية، التي تعتمِد على عمالة مُهاجِرة. فهل نشاهد في ذكرى مرور قرن على انطِلاق الهجرة، تبلوُر شخصِية سياسية وثقافية مُميّزة للمهاجرين بجانب المنظومات القومِية في بلدان أوروبا الغربية؟
المصدر: سويس أنفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.