أيا كانت نتيجة انتخابات نقابة الصحفيين اليوم، فإنه ينبغي أن نحترم إرادة الجماعة الصحفية المصرية واختيارها الديمقراطي الحر، المهم أن يفكر الصحفيون في استحقاقات اليوم التالي وأن تراقب الجمعية العمومية أداء النقيب الجديد وتحاسبه على مدى الوفاء بوعوده التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية. والحال أن نتائج الأحد الماضي، أسفرت عن وضع غير مسبوق في تاريخ نقابة الصحفيين، فمنذ إعلان نتائج الجولة الأولى، ورسائل الموبايل الصادرة من كلا المرشحين لم تنقطع ،وكلٌ يعد ويبشر ويغري ويدغدغ المشاعر والأماني، بشكل يضع الجمعية العمومية لاحقا أمام اختبار حقيقي بشأن الجدية والآلية التي ستلجأ إليها لمحاسبة الفائز على أجندته التي تقدم بها للترشح، حتى لا يُستسهل في المستقبل مثل هذا المنحى وتتحول الجماعة الصحفية إلى موضوع للاستغفال حال تساهلت مع مثل هذه الوعود باعتبارها "كلام انتخابات" لا يستحق المساءلة أوالمحاسبة. وفي هذا السياق هناك عدة ملاحظات ينبغي التنبيه عليها، أهمها يتعلق بالمخاوف من اختطاف النقابة من قبل قوى وتيارات سياسية متطرفة، واعتقد أن هذه المخاوف باتت "مشروعة" وعبرت عن تناميها داخل الضمير العام الصحفي بعد انتخابات الجولة الأولى ولعلها "الورقة الأخطر" التي ستكون أحد أهم العوامل التي ربما تحسم نتائج اليوم، من جهة أخرى يظل الدعم الرسمي لأحد المتنافسين على منصب النقيب، مهما من جهة وعبئا عليه من جهة أخرى، فالنسبة للأولى تظل النقاية "الفقيرة" في حاجة إلى مظلة الدعم المالي الرسمي لكل صناديقها الخدمية، و في هذا الإطار يعتقد قطاع ليس بالقليل من الصحفيين أن الصحفي الذي يتمتع بخصائص "رجل الدولة" هو الأنسب خاصة وأن مهنة الصحافة هي بطبيعة الحال مهنة "تماس مع السلطة" وتحتاج "وسيط قوي" بين النقابة والدولة مقابل وضع حدود وأسقف للدور السياسي الذي يمكن ان تلعبه النقابة وعلاقتها بجماعات الاحتجاج السياسي التي ظهرت في مصر منذ عام 2004، ويوجد قطاع كبير من الصحفيين يؤمن ب"بموضوعية" هذه "القسمة" على أقل تقدير من باب "التقية المهنية" قياسا إلى ضعف قوى المجتمع المدني في مصر بسبب الفقر المالي أو الاحتراق الرسمي والأمني له. تيار آخر يؤمن بأن النقابة تحتاج إلى تجديد دماء قياداتها، في ظرف تاريخي بالغ الدقة والحساسية إذ ستشهد مصر، خلال العامين القادمين أخطر انتخابات عامة ستحدد مستقبل البلاد لعشرات السنين القادمة: انتخابات برلمانية 2010 وانتخابات رئاسية 2011، وسط جدل وقلق حقيقي على ثمار النضال الوطني المصري، من أجل ارساء قواعد ديمقراطية عادلة لتداول السلطة ، فيما تظل نقابة الصحفيين واحدة من أهم منابر التنوير السياسي في مصر، وهو اعتقاد في تقديري له وجاهته، غير أن هذا التيار يرى "التغيير" مستقلا عن سياقات الصراع على النقابات من قبل قوى أيديولوجية ثبت تطرفها وتوترها وضحالة نضجها السياسي بشأن عدد من الملفات على رأسها هوية مصر العربية والإسلامية وفكرة الدولة والسيادة الوطنية والأمن القومي، وصراع القوى الإقليمية الكبرى لوراثة دور مصر الإقليمي في المنطقة، ما يضع فكرة التغيير موضعا يعتبره البعض "مغامرة" غير مأمونة النتائج. يبقى الإشارة هنا إلى أن الجيل الجديد من شباب الصحفيين والذي تنطلق باسمه دعوات التغيير هو الجيل الأكثر فقرا وفاقة ويلهث وراء توفير قوته اليومي في سوق صحفي "غير شريف" ومتوحش ولا يرحم وبالتالي تظل خيارات هذا الجيل أمام صناديق الاقتراع تتنازعه حماسة الشباب وثوريته ورغبته في التجديد والتغيير من جهة واحساسه بأنه قد لا تنفعه أية شعارات مفرغة من مضمونها الاجتماعي والخدمي المحض من جهة أخرى.. وهذا ما يجعل انتخابات اليوم واحدة من أكثر انتخابات النقابة دقة وحساسية.. ومن الصعوبة التنبؤ بنتائجها بشكل قاطع. [email protected]