انتخابات نقابة الصحفيين لخصوصيتها ورمزيتها دائمًا تكون مرآة أقرب للدقة للحالة السياسية، لأنها تتم بشفافية ونزاهة تامة حتى في أحلك أوقات الاستبداد والتزوير كما كان يحدث في النظام السابق، ومن هنا كان الاهتمام الكبير بانتخابات نقابة الصحفيين التي تمت أمس للتجديد النصفي لمجلس النقابة وأيضًا لاختيار نقيب جديد، وقد فاز ضياء رشوان بمنصب النقيب بفارق واضح عن منافسه عبد المحسن سلامة، وفوز ضياء بدون شك هو رسالة صحفية إلى السلطة الحالية بأن هناك قلقًا بين الجماعة الصحفية مما يعتبرونه تحرشًا بالصحافة والإعلام وتحريضًا عليهما، فضياء لا يخفي معارضته السياسية لحكم الإخوان وله انتقاداته الصريحة في ذلك، وهذا حقه بطبيعة الحال، والذين انتخبوا ضياء لم ينتخبوه لمجرد موقفه السياسي فقط، وإنما لمؤهلات شخصية فهو رغم أي خلاف سياسي معه باحث متميز وكاتب صاحب تاريخ وطني مشرف وكان من أكثر المدافعين عن الإخوان المسلمين عندما اشتدت حملة النظام السابق عليهم وقد دفع ثمن ذلك غاليًا عندما تعمدت عصابة أحمد عز إسقاطه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة "2010" التي أسقطت بدورها النظام الفاسد كله، ويتميز ضياء بالصلابة السياسية وربما هذا ما كان يبحث عنه الصحفيون الآن وهم يستشعرون الخطر، ومع كل ما تقدم فإنه لا يمكن أن نتجاهل أن التوجه العام في الانتخابات كان يميل إلى ما نصفه عادة بالتصويت العقابي، ولعل هذا كان واضحًا في أسماء الناجحين الستة في انتخابات العضوية، فالمشترك الأعظم بينهم جميعًا هو الخلاف السياسي أو النقابي مع الإخوان والحكم الحالي، ولعل هذه الرسالة المبكرة من الجماعة الصحفية تكون تنبيهًا للحكم الجديد بأن يصحح بوصلة علاقته بالجماعة الصحفية، لأنه ليس من الحكمة أن تضيف عداءات جديدة لك كل يوم، فيكفيك عبء العداءات التقليدية المترصدة بالتجربة كلها، وبعض الإجراءات الأخيرة العنيفة التي اتخذت مع مئات الصحفيين كان فيها غشومية واضحة واستعجال، وفهمت على أنها رسالة إلى الصحفيين، فردوا عليها في أول انتخابات. لا مفاجأة في فوز كارم محمود وحصوله على أعلى الأصوات فهو رمز نقابي كبير وسبق له الفوز في أكثر من انتخابات نقابية وأصبح "علامة مسجلة" وخبرة يصعب أن ترى مجلسًا للنقابة بدونها، ولا مفاجأة في فوز جمال عبد الرحيم، والصحفيون أرادوا فيما يبدو دعمه في مواجهة ما يعتبرونه ظلمًا تعرض له من قبل الإخوان بإبعاده من رئاسة تحرير الجمهورية بعد شهر واحد من توليه المسؤولية ورغم حصوله على أحكام قضائية رفضوا تنفيذها، ومن أكثر من سعدت بنجاحهم في الانتخابات الزميلة حنان فكري، وقد منحتها صوتي بإصرار، ليس لمجرد أنها مسيحية وأريد أن أثبت تنزه الجماعة الصحفية عن الطائفية، وإنما لشجاعتها وإصرارها على المشاركة وانتزاع حقها في أن تشارك في صنع مستقبل العمل الصحفي بدون أي حساسيات، وقد راهنت حنان على وطنية الجماعة الصحفية وبعدها عن الطائفية، وكسبت الرهان، ومن أكثر ما أحزنني في النتائج خسارة عادل صبري، الصحفي المحترم وصاحب المواقف الصلبة والمشرفة في دفاعه عن حقوق زملائه في الوفد، وضحى بمصالحه الخاصة من أجل حماية حقوق زملائه ودفع ثمنًا ليس بالقليل، كانت النقابة بحاجة إلى شخص بمثل هذا النبل والتجرد، ولكن حسبه أنه حقق أعلى النتائج بعد الفائزين مباشرة واقترب كثيرًا من الفوز، ولقد أضر به ما سربه البعض عن أنه من قائمة الإخوان ولم يكن ذلك صحيحًا ولكنه كان جزءًا من حروب انتخابية غير لائقة، وقد فاز أيضًا أسامة داوود وعلاء ثابت وخالد البلشي، وهي كلها أسماء محترمة ولديها إصرار على أن تضع بصمتها في العمل النقابي. ألف مبروك للمجلس الجديد، والذي يحمل تركة ثقيلة ومزعجة وتحديات كبيرة، وأتمنى أن لا تستغرقه الصراعات السياسية وتستنزفه عن المصالح النقابية، وأن تشهد النقابة في عهدهم نهاية للانقسام والاستقطاب السياسي وأن يعمل الجميع من أجل نقابة حرة قوية مستقلة ووطن حر وديمقراطي، بغض النظر عن انتماءاتنا الحزبية أو السياسية. [email protected]