إنتهينا فى الحلقة السابقة إلى القول بأن ممارسات كارتلات الصناعات الدوائية تؤدّى إلى اكتساب المال واكتناز الثروة بالغش والقهر، وأن هذا هو جوهر السرقة ونهب أموال الناس بالباطل .. وأشرنا إلى أن لهذه الكارتلات وسائل كثيرة فى هذا المجال ، نذكر من أهمها: رفع أسعار الدواء بلا مبرر إلا عدم وجود دواء آخر منافس كنتيجة للممارسات الاحتكارية ، وليس السعر المصطنع هو الناتج الوحيد للاتفاقيات الاحتكارية للكارتلات وإنما أيضاً إفتعال النُّدرة الذي يضع عائقاً حقيقياً أمام المستهلك بحيث لا يجد أمامه بدائل يختار منها فيضطر إلى شراء ماهو مطروح فى السوق، وقد يبلغ القهر دركا أدنى من ذلك عندما تتفق الشركات على سحب نوع من المنتجات من التداول في الأسواق حتى ينفسح الطريق أمام نوع آخر للبيع بالسعر الذي يفرضه الصانع ، وهذا ما يحدث على نطاق واسع في مجال معالجة السرطان. إن ضحايا مرض السرطان يتعاظم عددهم في العالم عاماً بعد عام وهو يتضاعف في الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل مخيف ، وتبلغ مكاسب شركات الأدوية الاحتكارية من الأدوية المفروضة بالمليارات .. جزء من هذا الفيض المتدفق تضخّه شركات الأدوية في المؤسسات الطبية والبحثية والسياسية والإعلامية لتفرض هيمنتها الكاملة على نشاطات البحث العلمي وتكبيلها ، وعلى السياسيين لابتزازهم ومحاصرتهم في إطار تحقيق مصالح هذه الشركات وإملاءاتها...! خلاصة يجب أن تبقى واضحة في الذاكرة حتى يتيسّر فهم حقائق التكتلات الاحتكارية وخطرها على الإنسان المعاصر ، من أبرز عناصر هذه الخلاصة ما يلي: 1- أن الحكومة الأمريكية تحجب عن الشعب الأمريكي كثيراً من المعلومات الهامة التي تتعلق بمصيره خصوصاً عندما تعلن عن شئ وهي تنوي أن تفعل شيئاً آخر ، وقد أشرنا كمثال على ذلك إلى مشروع نيكسون في ستينات القرن الماضي عندما أعلن عن مشروع ضخم للقضاء على السرطان في العالم ، وأكدّ أن الحرب على السرطان سيكون قوة جديدة للسلام العالمي...! فلما وافق الكونجرس على تخصيص مئات الملايين من الدولارات للإنفاق على هذا المشروع .. لم ينفق منه نيكسون على بحوث السرطان إلا القليل ، وإنما حوّله إلى هدف آخر هو تطوير أسلحة بيولوجية سرية لإشباع جشع فئة نخبة قليلة من أغنى أغنياء العالم . 2- أن هذه النخبة من البشر المستفيدين من هذه المشروعات ومن التكتلات الاحتكارية بصفة عامة يعتنقون أيديولوجية خطيرة ضد إنسانية فهم يؤمنون بأن موارد الكرة الأرضية لا تكفي لأكثر من ( ثلاثة وثمانية من عشرة بليون نسمة) وما يزيد عن هذا العدد من البشر لابد من التخلص منه بشتى الوسائل بما في ذلك استخدام الأسلحة البيولوجية ومنها الطعوم الملوّثة، وينفذون خطة هنرى كيسنجر كما وردت فى مذكرته الشهيرة التى أشرنا إليها فى مقالات سابقة، وهى تدعو إلى السيطرة على العالم من خلال التحكم فى الغذاء العالمي والتحكم فى الخصوبة الإنجابية للنساء فى العالم الثالث [كانت المذكرة سرية ثم أصبحت الآن معلنة فى شبكة الإنترنت تحت هذا الاسمNSSM200 ] . 3- أن كل شركات العالم سوف تنتهي ملكيتها لحفنة من الشركات العملاقة عابرة القارات منتظمة في كارتلات ضخمة تدعمها قوانين عالمية .. ولن يبقى شئ على الأرض خارج حوزة هذه الشركات العملاقة .. 4- أن كل هذه القوى العالمية تدور في فلك أسرة واحدة تجمع تحت جناحها ستين أسرة أمريكية من أغنى أغنياء العالم ، هي أسرة روكفلر، تحت سيطرة بنك واحد تملكه هذه الأسرة هو بنك تشيس مانهاتن .. (5) ولا يصدّق الأمريكيون أنه يوجد شخص أو مجموعة أشخاص يمكن أن يضحوا بملايين الناس لتحقيق مصالحهم الخاصة، ومن ثم لا يصدقون أن معارضة استخدام فيتامين بى 17 في علاج السرطان يرجع إلى تحقيق مصالح احتكارية بحتة ، وإنما يرجع الأمر إلى الجهل أوالبيروقراطية. كذلك لا يصدق الأمريكيون أن التضخم المالي مسألة مخططة، ولا أن الأزمات المالية الكبرى أيضا مسألة مخططة لخدمة مصالح مالية احتكارية لفئة معينة من البشر. وأن ارتفاع البطالة والجرائم ليس مخططاً وإنما هو بسبب قصر نظر قضائي وقصور أمني وإدارة سيئة .. (6) ولا يرون في أزمة الطاقة وارتفاع أسعار البترول شيئاً مخططاً وإنما هو (كما تروّج أجهزة الإعلام) بسبب احتدام الصراع في الشرق الأوسط.. وأن إهْدار الأموال في حروب خارجية لا معنى لها ليس نتيجة خطة قد تمّ حبْكها بإتقان، ولكن بسبب قصور في السياسة الخارجية، وأن الإجراءات والقوانين والقيود التي تكبّل حياة الناس اليومية ليست مخططة وإنما هي سوء إدارة وأخطاء حكومة ستذهب ويأتي غيرها فتتغير الأحوال والأوضاع...! ويرد جريفين على ذلك فيقول: " قد يقبل الإنسان واحدة أو اثنتين أو أكثر من هذه التبريرات ولكن بالقطع لا يمكن قبولها جميعاً .. وينصح القارئ أن يضع كل هذه الحقائق التي يراها أجزاء متناثرة واحدة بعد واحدة في مكانها بلوحة واحدة عندئذ ستبدو له الصورة البشعة واضحة متكاملة .. أما إذا أبقى عليها مبعثرة متناثرة، ونظر في كل واحدة منها منفردة مقطوعة الصلة ببقية الأجزاء فلن يرى الحقيقة أبداً...! وعندما تكتمل الصورة أمام القارئ فسيرى بشيء من الجهد أن أصحاب المصالح الاحتكارية في المال والسياسة والصناعة في مقدمة عصابة التضليل والمكابرة والإنكار..أصحاب هذه المصالح الكبرى الذين يحظرون العلاجات البديلة للسرطان ويحاربون عقار لاترايل ليس من الضروري أن يكونوا واعين بكل ما يعانيه الضحايا المحرومون من العلاجات البديلة، فإن مصالحهم تعميهم عن رؤية الواقع، ولا يعنيهم إلا أن يدمروا أي منافسة أو عقبة يرون فيها حائلاً دون تحقيق مصالحهم الأنانية .. ثم يتساءل: هل توجد قوة يمكن أن تكفّ هذا الحيوان الطفيلي قبل فوات الأوان ..؟! ويجيب على تساؤله فيقول: "نعم يوجد الرأي العام .. إن الدكتاتورية نفسها ترتعب عندما يتحرك الرأي العام وراء قيادة يثق فيها .. فليس هناك قوة سياسية أو عسكرية يمكن أن تقف أمام الرأي العام إذا انتفض .. ويوجد الآن في أمريكا ردة فعل كبيرة متزايدة: آلاف من مرضى السرطان يشهدون بفاعلية فيتامين بى 17، ومئات الآلاف من الناس يكتشفون كل يوم قيمة التغذية الصحية برغم أنف وكالة الأغذية والأدوية، وبرغم أنف جمعية الطب الأمريكية التي تعارض هذا الاتجاه، ومع فضائح ووتر جيت وهوايت جيت .. [وكذب الإدارة الأمريكية لجرّ الشبان إلى حروب خارجية فاشلة] سوف يتبين للملايين أنهم لا يمكن أن يصدقوا قياداتهم السياسية .. وسوف تسقط أمامهم الهالات المقدسة التي تحيط بالمؤسسات الرسمية الكبرى في عالم الطب والغذاء .. إننا أصبحنا في حالة نقترب فيها من مقاومة مفتوحة للحكومة الأمريكية .. ولكن يوجد هناك من لا يزال يؤمن أنه رغم كل شئ فإنه لا يمكن لأي حكومة شمولية أو فاشية أن تفرض نفسها على الشعب الأمريكي .. لا .. لا يمكن حدوث شئ من هذا هنا...! وعلى هذا الاتجاه في الرؤية المضلّلَة يشرح دكتور كريبس تجربته الطبية في علاج السرطان بفيتامين بى17 [دكتور كريبس هو مخترع هذا الدواء وهو أول من مارس علاج السرطان به] .. يقول: "بل يمكن أن يحدث هنا أيضاً .. ففي الاتحاد السوفييتي كان الناس يُمنعُون من الهرب من البلاد لأن أسيادهم من الحُكّام يقولون لهم إنكم لستم مؤهلين لهذا النظام السياسي ولذلك نقوم بالاختيار نيابة عنكم، وفي الولاياتالمتحدة ضحايا السرطان ممنوعون من الهرب بحياتهم للحصول على فيتامين بى 17 من دولة أخرى مجاورة (هي المكسيك) لأن حكومتهم تقول لهم: أنتم غير مؤهلين أن تقرروا ذلك بأنفسكم ، ونحن نختار لكم ما نراه أفضل..! وهكذا ترى أن الاستبداد ليس له حدود أو وطن .. إنه لا يخضع لأيديولوجية سياسية معينة (اشتراكية أو رأسمالية)، إنه يزدهر بطريقة مرضيّة في أي مكان تتوافر فيه مصالح احتكارية لفئة من البشر لا تعبأ إلا بمصالحها الأنانية...". ويتطرق الدكتور كريبس إلى أهم وسيلة للخروج من هذا المأزق حيث يقول: "كم سيكون عظيماً وفعّالاً لو أن مجموعة صغيرة من الأطباء الأمريكيين المتحمسين يتكتّلون معاً لتنفيذ مبادئ نورمبرج بعدم الخضوع أو الإذعان للحكومة التي اتضح تحيزها ضد استخدام لاترايل لخدمة مصالح الاحتكارات الدوائية .. إن روح التمرد موجودة حيث يتزايد عدد الرجال والنساء الذين لم يفكروا في كسر القانون ولكنّهم يتعاطفون مع مبادئ نورمبرج، إن مشاعرهم مشطورة بين الولاء للنظام الجائر وبين ولائهم للضمير .. ويجدون أنفسهم أحياناً مضطرين للاختيار بين القانون وبين الحياة نفسها .. كثير من الناس الآن قد بدأ يشعر أن النظام الذي أمرهم بالولاء في الماضي لم يعد أكثر من فقاعة فارغة .. وأن الواجهة الديمقراطية لأمريكا أصبحت رقيقة تشف عن واقع دكتاتوري .. ويشعرون بحزن دفين عندما يقسمون بالولاء للولايات المتحدة وللجمهورية أنهم حين يفعلون هذا كأنهم ينطقون كلمات وداع في جنازة شخص حبيب راحل...! فإذا تنامى هذا الشعور وانتشر هذا المزاج المؤلم فإنه يؤذن بحركة شعبية في حالة مخاض سوف تكسر القبضة الحديدية في نهاية الأمر... لقد وصلنا إلى آخر محطة وقوف حيث يستوجب الأمر أن يحسم الناس أمرهم فالذين يقدّرون الحقيقة العلمية ويحترمون شرفهم الشخصي إما أن يصعدوا ليلحقوا بالقطار أو يفوتهم القطار إلى الأبد .. فهذا القطار سوف يحافظ على موعده مع التاريخ سواء لحقوا به أو لم يلحقوا... ويعلق إدوارد جريفين فيقول: " سوف تنظر الأجيال القادمة بالتأكيد إلى هذه الحالة التي نعيشها ونحن نمارس علاج السرطان بالجراحة والأشعة والكيماوي فيصيبهم الهلع . ولسوف يسمّون الأشياء بأسمائها الحقيقة فيقولون : [ أنظروا إلى أولئك المتخلفين المتوحّشين الذين كانوا يعالجون السرطان بالقطع والحرق والتسميم] ، ممّا نعتبره اليوم صميم العلم الطبي الحديث...! " ملاحظة هامة : اطلعت مؤخّرا عبر الإنترنت على رسائل شبكة العلوم النفسية العربية التى أتابع نشاطها بانتظام ، وتبين لى من خلال المناقشات الجارية بين أعضائها أن هناك أزمة تمويل قد تؤثر على استمرار نشاط الشبكة وقد تؤدى إلى توقفها عن الصدور، [على أهميتها البالغة فى بث المعرفة العلمية فى مجالات الطب النفسيّ والصحة النفسية] ، والنقطة التى تهمنى جدا فى هذه المناقشات أنها دارت حول إمكانية فتح الشبكة لإعلانات شركات الأدوية كحل لمشكلة التمويل ، وقد أكبرت رأى الدكتور يحيى الرخاوى (أمين عام اتحاد الأطباء النفسيين العرب) الذى رفض هذا الاتجاه بل حذر من آثاره الخطيرة حيث قال بوضوح تام: " إننى بكامل وعيى وثقل مسئوليتى أخاف على شبكتنا من إعلانات شركات الأدوية تحديدا .. ولا يقتصر خوفى على الشبكة بل يمتدّ إلى خوفى على العلم وعلى البحث العلميّ وعلى الأخلاق وعلى القيم الدينية النبيلة ذاتها .." يرى الدكتور الرخاوى بحق (فى رسالته القوية المفصّلة) أن " لشركات الأدوية دورا فى منتهى الخطورة ، ليس فقط بالترويج لمعلومات شبه علمية متحيزة وإنما بالعمل على تشكيل طريقة تفكيرنا وتركيب أمخاخنا بشكل اختزاليّ تجزيئيّ مُمَوْضع " ويؤكد " أن سياسة السوق التى تحكم العالم حاليا ليست مضاعفاتها قاصرة على الدواء والعلاج وتزييف العلم لصالح المال ، بل تمتد آثارها إلى قرارات الحروب والأزمات ..." وللدكتور الرخاوى إقتراح عبقريّ لحل أزمة التمويل مستمدّ من التراث الحضاري الإسلامي العريق هو: [الوقف لتمويل العلم] . إننى شديد الإعجاب بموقف الدكتور الرخاوى ، وعمق بصيرته وبمقترحه الفذ، وقد بعثت إلى المسئولين عن الشبكة بتأييدى المطلق لتوجهاته التى تتفق تماما مع خلاصة دراستى التحليلية للتكتلات الاحتكارية على مدى عامين كاملين ... [email protected]