لو كان لدينا معرفة بفقة الأولويات فيما يجب أن نهتم ونبدأ به في مرحلتنا الحالية من قول أو فعل وبالطبع ما نكتب أو ننشر ولو كان لدينا انتماء حقيقي إلي وطننا وأمتنا أكثر وأكبر من انتمائنا إلي أهوائنا وأنفسنا وفرقنا وجماعاتنا لكان توحد الأمة علي قلب رجل واحد هو شغلنا الشاغل في كل نشاطنا الانساني وهو همنا الأول في كل اهتماماتنا؛ وحول أهمية هذا الأمر يقول الحق تيارك وتعالى "واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً" (آل عمران : 103) ويقول الراحل فضيلة الإمام الشعراوي في تفسير ذلك: فوالله، لو عُدْنا إلى حبل الله الواحد فتمسَّكنا به، ولم تلعب بنا الأهواء لَعُدْنا إلى الأمة الواحدة التي سادتْ الدنيا كلها، وقد رُوي عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله قوله: "أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ثَلَاثَ مِرَارٍ) وقال الشاعر: رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ... رغم الخلاف، ورأي الفرد يشقيه إن وحدة المجتمع تمثل خطًا أحمر في ديننا لأنها العمود الفقري لبنائه واذا أردنا أن ندلل على ذلك من صحيح الكتاب والسنة وسيرة الصحابة والتابعين فهو سهل وميسور ولكني سوف أكتفي بذكر واقعتين أحدهما في خلافة سيدنا عمر والأخرى في خلافة سيدنا عثمان؛ أما الأولى التي حدثت في خلافة سيدنا عمر أنه كان هناك رجل يُدعى "قبيص بن عُسيل" روج بعض الأقاويل التي أحدثت بلبلة في مجتمع المدينة، فما كان من سيدنا عمر إلا أن أحضره ومنعه من ترديد مثل هذه الاقاويل وأمر بضربه، وحبسه عن الناس لمدة سنة، وإذا عاد إلى ذلك كرر عقابه؛ أما الثانية والتي كانت في خلافة سيدنا عثمان: حدث أن سيدنا أبا ذرٍّ الغفاري فسّر آية في القرآن في قوله تعالى "إن الذين يكنزون الذهب والفضة ....." فأولها تأويلا يخالف ما أوله الآخرون - رغم أن تفسيره لم يكن خطأً - وحدثت بلبلة في المدينة، فأشار سيدنا عثمان على سيدنا أبا ذرّ بترك المدينة فتركها سيدنا أبا ذرّ إلى منطقة تُسمى بالربذة، وظل بها حتى توفاه الله، والمعلوم أن سيدنا أبا ذر هو من هو، من قدرٍ عالٍ بين الصحابة قيمة وقامة، وهذا هو تصرف ولي الأمر مع من يزرعون الفتنة في داخل المجتمع وإن علا شأنهم. إن حاجة المجتمع إلي التوحد أكثر من حاجته للطعام، وإن أخطر ما يواجهنا في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا - ويجب أن نسعى إليه بكل قوة - هو توحد هذه الأمة واجتماعها على قلب رجل واحد. إن حالة التفرق والتي يغذيها حالة الجدل المستشري في المجتمع والذي تسببت فيه عوامل كثيرة ليس من المصلحة الخوض فيها الآن لأن الكل مسؤول عنها ولابد من الخروج منها. إنه لا سبيل إلى سلامة المجتمع وأمنه إلا بالبحث عن طريقة للتوحد نتناسى فيها كل الخلافات الحزبية والثقافية والفكرية، وألا يحاول طرف من الأطراف أن يُقصي طرفًا آخر، أو أن يسلك طريقا إلى الفتنة بزرع الفرقة عن طريق محاولة الاستدراك على الآخر وتسفيه رأيه وممارسة دكتاتورية الرأي، ولن يكون ذلك إلا بوجود نظام حكم قوي عادل؛ فإنه من المعروف أن فترات ضعف الأمم هي التي تؤدي إلى وجود صوت عالى لهذه الفرق والجماعات. كل من يقول قولًا أو يعمل عملًا يؤجج الفتنة ويصنع الفرقة هو عدو من أعداء الوطن يجب أن يُضرب بيد من حديد، فأعداء الوطن في داخله كما هم في خارجه. إن حكماء الأمة وعلمائها يجب أن يُعطَوا الفرصة لتوعية العامة ويجب، على من يتولون أمر الإعلام أن يسلموا زمام الرأي لهم، وألا يتركوا كل من هب ودب من أنصاف المثقفين من الذين وهموا في النصوص وتعالموا علي عامة الناس وحصّلوا شيئًا وغابت عنهم أشياء فيَضلوا ويُضلوا أو الفئة الأخرى من المنافقين العلماء الذين حذر منهم سيدنا عمر بن الخطاب بقوله: "أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم. قالوا: وكيف يكون المنافق عليما؟ قال: يكون جاهل القلب وعالم اللسان" فيقولون ما لا يعملون، فيزرعوا حالة الفصام داخل المجتمع. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]