الحملة الإعلامية والسياسية الرسمية العنيفة والمتشنجة في مصر ضد الدكتور محمد البرادعي هذه الأيام مثيرة للدهشة ، عندما تسربت أخبار خفيفة عن دعوة بعض القوى السياسية للبرادعي للترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة لم يهتم أحد على المستوى الرسمي ، كان التصور السائد أنها مجرد دعابة سياسية غير جادة ، ولذلك تجاهل الإعلام الرسمي المسألة ، حتى إذا ما تحدث البرادعي بجدية أمام الإعلام العالمي وقال أنه يفكر فعليا في مسألة الترشح لرئاسة الجمهورية حتى هاجت الدنيا عليه في مصر ، فندد بإعلانه متحدث شبه رسمي باسم رئاسة الجمهورية ، ونشط فقهاء قانون وجهابذة سياسة يقولون أنه لا يناسب المنصب ولا يحق له الترشيح ، وانطلقت حملة موجهة في الصحف الحكومية المسماة بالقومية تندد به ، وتعيره بالجنسية الأجنبية التي يحملها إلى جوار جنسيته المصرية ، رغم أن بعض الذين دافعوا عن حقهم كمواطنين للترشح للانتخابات المقبلة يحملون أيضا جنسيات أخرى غير المصرية ، فليست تلك البطحة على رأس البرادعي وحده ، إذا اعتبرناها بطحة ، وأتصور أن الحملة الإعلامية الرسمية المصرية على البرادعي ما زالت في بداياتها وسوف تتفاعل أكثر في الأيام المقبلة ، ولن تتوقف عند افتتاحيات الصحف الحكومية التي خصصت مساحاتها لهذا الحدث الجلل ، والحقيقة أن الإثارة في مسألة ترشح البرادعي ليست فقط في طرح نفسه كوجه مصري عالمي متميز وصاحب إنجازات وحاصل على جوائز دولية رفيعة ، وهو وجه مشرف لمصر بدون أي شك ، في الداخل أو الخارج سواء ، ولكن الإثارة الحقيقية ، والتي أثارت خوف الدوائر الرسمية وغضبها ، كانت في "الشروط" التي وضعها البرادعي لترشحه لرئاسة الجمهورية ، حيث لخصها في نقاط ثلاثة : لجنة مستقلة تشرف على الانتخابات ، رقابة دولية على الانتخابات ، إشراف القضاء المصري على العملية الانتخابية ، وقد أضاف إليها الدعوة إلى تعديل دستوري يزيل الحواجز المصطنعة التي تحول بين أي مواطن وبين ترشحه لرئاسة الجمهورية ، في إشارة منه إلى التعديلات الأخيرة التي وضعت شروطا تعجيزية لمن يترشح ، وتتيح للحزب الحاكم أن يتحكم في نوعية منافسيه من قبل أن تبدأ المنافسة نفسها ، والشروط التي طرحها البرادعي ليست جديدة على الرأي العام المصري ، لأن جميع القوى السياسية في مصر طالبت بها ، وكل مخلص وحريص على مستقبل أفضل لبلاده يؤيد هذه المطالب ، فما الجديد في مطالبة البرادعي بها ، الجديد أنها تصدر في رسالة أو بيان إلى العالم من شخصية لها كل هذه الهيبة والاحترام في الأوساط الدولية ، وهي مطالب تحتوي ضمنا على تشكيك في سلامة العملية الانتخابية في مصر ، وأنها لا تتصف بالشفافية ولا المصداقية ولا الحيادية ولا تحتوي على أي ضمانات لانتخابات نزيهة وجادة ، هذا هو جوهر الإثارة التي حملتها كلمات البرادعي ، ومن هنا كان القلق الرسمي المصري من دعوته وشروطه ، ليس من شخصه ، ولكن الخوف من أن يتشكل رأي عام دولي ضاغط على مصر لتحقيق شروط البرادعي ، لجنة مستقلة ، ورقابة دولية ، وإشراف قضائي ، مصدر رسمي رد على البرادعي بقوله أن الانتخابات تتم في ظل رقابة الرأي العام المصري ووزارة الداخلية ، وهو كلام يصعب أن تجيب عليه بعبارة "محترمة" ، على كل حال ، سيكون هذا الأسبوع ممتعا ونحن نتابع الفزعة الرسمية ضد البرادعي وتجلياتها في الحوارات والمانشتات والافتتاحيات وصباح الخير يا مصر وصباح النكد يا بلد والبيت بيت الحكومة . [email protected]