لا استطيع تجاهل التصريحات الحكيمة للدبلوماسي الأول في الجزائر وزير خارجيتها مراد مدلسي. بعد صمت طويل خلال الأزمة عكس قدرا هائلا من ضبط النفس الذي يحتاجه الأشقاء في خلافاتهم، أمسك بمبضع أمهر الجراحين ليستأصل ورم فتنة خبيثا كاد يفسد علاقة أعز وأحب شقيقين ويحولهما إلى قابيل وهابيل. اختار مدلسي قناة إعلامية عربية محايدة، أي غير مصرية أو جزائرية، وهي جريدة "الشرق الأوسط" السعودية التي تصدر في لندن ليوجه رسالته البليغة للجميع، غير عابئ بهجوم التيار المتفرنس ممثلا في جريدة الشرق التي تظهر هذه الأيام وعلى صدرها سحب المليونين، أي التوزيع الذي وصل لهذا الحجم، وتخشى عليه من الهبوط السريع إلى مستواه العادي لو انطفأت نار الفتنة وخلت من شتائمها وفبركاتها عن القتلي والكراسي المتحركة التي يصل بها طلاب الجزائر من مصر! قال مدلسي: لا نتعامل على الاطلاق مع ما يقال هنا أو هناك وعلى ألسنة مختلفة، لأن الجزائر تكن كل تقدير واحترام لمصر وشعبها وحكومتها. وعن الوساطة التي قيل إن ليبيا والجامعة العربية تقومان بها أضاف: نحن نحترم لهما مبادراتهما، لكن العلاقة بين مصر والجزائر قوية ولسنا في حاجة لوساطة مع الأخوة في مصر، ونقدر كل من يقرب بين الشعبين. وبكلمات تحمل حس العربي الأصيل الحريص على علاقة الشقيقين الحبيبين قال الوزير الجزائري "نحن مسئولون عن الأجواء في الجزائر، ووزارة الخارجية المصرية مشكورة مسئولة عن الأجواء في مصر، ونرحب بما ذكره الوزير أحمد أبو الغيط حول التهدئة". ما أروع هذا الاحساس وما أبلغ البتر الذي قام به مدلسي. ومن الطبيعي أن يكون هناك تفاهم بينه وبين الرئيس بوتفليقة ورئيسه في الحكومة، فسياسة الدولة الخارجية لا يقررها بمفرده. مفاجأة مدلسي كان لها وقع الصاعقة على رأس "الشروق" ففتحت عليه نيرانها الثقيلة، في محاولة لتحريض الشعب الجزائري بعد أن تلاعبت بعواطفه واستغلت شموخه العظيم وكبرياءه التاريخي، لكن الوعي الذي يتمتع به أبناء المليون شهيد كان أكبر مما تخيله محررو الصحيفة وأولو أمرها. عميت عيون محرريها فلم يحجبوا التعليقات التي تطالبهم بالكف عن الفتنة، وتأييد مدلسي والتأكيد على أن كلامه لا يأتي بمعزل عن رئاسة الدولة وحكومتها فهو ينفذ سياستهما. شكرا لمدلسي ولبوتفليقة ولتيار العروبة الغالب في الجزائر الحبيبة. شكرا لشعبنا الجزائري البطل مشاعره الرائعة.