الله - عز و جل - كرر في كتابه الكريم مصطلح دخول الجنة بغير حساب أكثر من مرة، بل أن المتأمل في القرآن الكريم وسنة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - يعلم أنما حساب الله وميزانه ليس كحساب أهل الدنيا وحساباتهم بل لن يدخل الجنة أحد بعمله أصلًا، بل كل يوم القيامة تحت رحمة العزيز الغفار. لغة الحسابات هي لغة يتعامل بها البشر في كل شيء، ولكنها لا تزال لغة ضحلة ضعيفة عاجزة، وذلك لسبب واحد بسيط أن الإنسان لا يبني قدره بيديه بل هو آخذ بالأسباب فقط، وكما قال الإمام الشعراوي - رحمه الله - في جملة فلسفية مقتضبة: "والسبب و المسبب واحد": و ربما يعني فيها الإمام أن أخذك بالأسباب مقدر من الله أيضًا. لما تتغلب لغة الحسابات لدى الفرد المسلم على أي فكر أو اتجاه لديه فاعلم أن في الإيمان خللًا جمًا، فتراه يتوقع ويتخيل ويجاوز في ذلك حد العقل، فيظل يحسب ويحسب، وربما عطله الحساب عن العمل أصلًا، وهذا طبيعي لأن الناجح في الدنيا هو المغامر قليل الاهتمام بالحسابات. و لكن متى تكون الحسابات لعنة؟! إذا صرفت الإنسان عن التصرف مما يمليه عليه دينه وضميره، وهو السبب الرئيسي فيما نحن فيه من ذل وهوان وبعد عن الله، فلم نؤمن بالله حقًا ولم نحقق اليقين ولا التوكل مع أن الله يقول: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه" أي كافيه، و لكن مع الأسف فسد معنى التوكل عندنا فصار التواكل توكلًا والتكاسل توكلًا واللامبالاة توكلًا، وغير ذلك بكثير. و هذا ينبهني أن أذكر مرضًا شائعًا أكثر، وهو إلباس ثوب الفضيلة لأمر ليس في محله كبعض المواقف السياسية التي يلبسها السياسيون أثوابًا عقائدية بحتة من أجل مكسب سياسي، وليس من أجل تحقيق المبدأ السامي الذي ألبسوه للموقف السياسي ( مثل موضوع العلاقات مع إيران فيقول إننا لا نعامل إيران لأنهم يسبون الصحابة بينما هم يعاملون اليهود والنصارى الذين يسبون الله - عز وجل-)، مما يسمى ازدواجية المعايير. لغة الحسابات إن غلبت على إنسان تصيبه بالوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت، والإنسان طالما أسلم وجهه للدنيا فستذيقه عذابًا أليمًا طلبًا لمتاعها ورضاها، ومحاولة لإشباع النفس التي لا تشبع أبدًا. إن لغة الحسابات هي التي تمنع الأمة أن تهب لنصرة المستضعفين ولا يدرك المسلمون أنهم ليسوا مجرد أمة من وسط أخلاط من البشر مترامية الأطراف الرقعة التي يعيشون عليها، بل هم أناس حملوا الأمانة وأمانتهم عصيبة شديدة، ولكنها جميلة رائعة في نفس الوقت، فتلك الأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال تحتاج من الفرد المسلم ثقة في ربه ( وهو شيء لا يتفق مع لغة الحسابات)، وفي عقيدته وتوكل على الحي الذي لا يموت. بسبب لغة الحسابات ( والتي ظهر لنا أنها لغة خنوع ورغبة شديدة في الدنيا) نترك الدم المسلم ينزف في سوريا، وننظر ببلاهة لما يجري هناك، وليس لنا إلا تصرف من ثلاث: الشجب والاستنكار، المتاجرة بدماء الشعب السوري بحثًا عن مصالح مستقبلية كما يظهر من الحسابات، أو نرسل مساعدات صورية كي يتم تصويرها ( هذا على مستوى الدول )، ولا أنكر أن في أمة محمد كثيرًا من خيرين يستضيفون اللاجئين السوريين لا يريدون جزاءً و لا شكورًا ( ليس من أجل زيجة رخيصة بفتاة سورية)، وهذا ما بيد هذه الشعوب أما الأنظمة والحكومات فأسأل الله ألا يسامحهم أبدًا فهم شركاء بشار الأسد في دماء شعب سوريا.