إن ظاهرة الاقتتال الداخلي أو العنف المستخدم مع بعضنا البعض- وهذا لا يقتصر على الأوضاع الاستثنائية كما تعيشها بعض الدول العربية حاليًا بل العنف مستفحل في تعاملاتنا اليومية أيضًا مع بعضنا البعض - بل يعتبر تطورًا سلبيًا خطيرًا على الساحة العربية– مع التذكير بأن الجميع يرنون إلى الإصلاح السلمي وهذا الأمر لا يجب أن يحتكر من طرف دون طرف آخر وبلا أى مزايدات -وهي تستوجب اتخاذ خطوات حاسمة على أعلى المستويات لدراستها كظاهرة وللعمل على وأدها ووقفها, لأنها لا قدر الله ستأكل الأخضر واليابس, فضحايا العنف والاقتتال الداخلي العربي ليسوا فقط هم الصرعى الذين يسقطون بهذا الرصاص العربي العربي أو الإسلامي الإسلامي بل إن أول ضحايا هذا العنف هو صورة هذه الأمة ومستقبلها ودينها وتراثها وحضارتها. وعندما نتكلم عن صورة الأمة الواحدة فنحن لا نتحدث عن شيء مبهم الأبعاد, ونحن لا نعني بالضرورة صورة هذه الأمة بمعنى منظرها أمام الآخرين, نحن نعني في الواقع نظرة هذه الأمة إلى نفسها ونظرة أبنائها لها ولأنفسهم, فالطاقات الاقتصادية التي تهدر يمكن بشيء من التخبط والتنسيق أن تعوض لكن الطاقات الشابة التي تسقط, والطاقات العلمية التي تصفى أو تهرب أو تلجأ إلى الخارج ليستفاد منها فى بناء حضارة الآخر ومراكز الأبحاث العلمية التي تدمر أو يحرق ما بها من الأسرار والمكنونات والمخزونات العلمية, والخسائر المفجعة ستبقى في الذاكرة والخيال أبد الدهر. والأمر الأدهى والأمَرُّ أن الخسائر التي تهدد كيان هذه الأمة بأسرها هو ذلك الشرخ الرهيب الذي يحدث في النفسية العربية أو المسلمة كلما ارتفعت حدة الاقتتال الداخلي واشتدت ألسنة العنف والتخريب والتدمير وضرب البنية الأساسية للمجتمعات العربية, وتدمير تاريخها وكل مكوناتها الحضارية ومحوها من الوجود لتبقى أمة بلا تاريخ وبلا ذاكرة ليستريح الأعداء وليهنؤوا بما نُكِن لبعضنا البعض من أحقاد وضغائن وخلق أزمات تلو الأزمات ليبقى الربيع ليس أخضر بل مشتعلًا. إن الأجيال العربية الصاعدة التي تراقب وتشاهد سترث وضعًا صعبًا لا تحسد عليه لأنها ستركب السفينة من غير أن تدرك قبطان السفينة, أجيال مهددة في نفسيتها وفي أمنها وفي سلامتها وفى مستقبلها, فالصراع محتدم, والمسرح العربي الكبير أصبح مسرحًا مباحًا لا بل مستباحًا لكل الطائشين والطامعين من الخارج, فيه مخرجون وممثلون ومسرحيون كثر والكل يعمل من خلال إخراجه وتمثيله وسيناريوهات مسرحيته إخراج الوضع العربي على طريقته, والكل في العالم العربي يستجدي الآخر وينتظر ماذا سيفعل الآخرون لهم بخصوص تقرير مصير الأوضاع القائمة, حقًا إنها أمة متفرجة تتقن فن الفرجة والاكتفاء بالجلوس على كراسي المسرح للمشاهدة إلى أن يسدل الستار. ثم عود على بدء. كنا نسمع من الرعيل الأول بأن "الدم لا يصبح ماء" حتى وقفنا ونشاهد بأنفسنا وبأعيننا ومن خلال الفضائيات وعلى أرض الواقع المعايش - صور مقززة منفرة- أن الدم العربي أو المسلم أصبح أرخص سلعة يتاجر فيه على مرأى ومسمع من العالم أجمع, إنها قضية ضمير أمة, هانت على نفسها فهانت على غيرها. تبخرت التصورات التي كنا نسمع عنها وينظر لها بوحدة الدين والمصير والهدف وحتمية الالتقاء بين العرب والمسلمين بعضهم مع بعض, فتحول حلم اللقاء إلى لقاء الرصاص والحريق والتدمير والتشتت والصراع والفرقة، "ألا فى الفتنة سقطوا". فاجتمع في هذه الأمة شيئان حاليًا الرصاص والإحباط الذي يكابده الكثير في عالمنا العربي وغيره من العوالم الأخرى. إن الدمار النفسي الذي ينشأ فيه أطفال العرب بل الكبار أيضًا وهم يرون بأم أعينهم ويلات الرصاص والمولوتوف الدخيل على ثقافتنا العربية والإسلامية والأسلحة الفتاكة في الجانب الآخر وهم يرون الأخوة "الأعداء" فبالدم والدين والمصير يسفكون دم بعضه البعض ويتساقطون برصاص بعضهم البعض يهدد كيان هذه الأمة وما تبقى منها. أما آن لهذا النزيف أن يتوقف, أليس في الأمة رجل رشيد! أستاذ التعليم العالي بالجامعة الحرة بأمستردام –هولندا