في معظم المواقف التي تتعرض لها المجتمعات الإنسانية لأزمات ينظر المحللون السياسيون إلى أطراف الصراع كرابحين وخاسرين أو مذنبين وضحايا، وإذا اعتبرنا الثورات موقفًا اجتماعيًا متأزمًا فإن المذنبين أو المستفيدين من عوائدها قد يصبحوا أبطالًا، بغض النظر عن طبيعة الفعل الثوري الذي قاموا به، وربما صار كل من سقط في الثورة شهيدًا بصرف النظر عن سلوكه، عما إذا كان سلوكًا بلطجيًا أو سلوكًا إجراميًا، ومهما كانت ملابسات الخطر والفعل ورد الفعل الثوري، ففي الشارع المصري صار الجندي الذي مات دفاعًا عن مؤسسات الدولة وأمنها ونظامها خائنًا لا يستحق الرحمة ولا الشفقة، ومن مات جراء الاعتداء على الممتلكات العامة سطوًا أو حرقًا أو أثناء محاولته لإطلاق اللصوص والقتلة من السجون بات في أعين الميادين شهيد وجب له التقديس.. والشعار المهيمن دائمًا فليحيا الدم ويسقط الوطن.. ومن تجرأ على الأمن وسب رجال الأمن بات بطلًا وربما رشحته الميادين لاعتلاء السلطة وحكم البلاد.. فماذا جنى العسكر من مناصبهم سوى السهر والقذف في الذمم والأعراض، وهل جنت أسرهم سوى التعرض لليتم والترمل، لقد نظر الثائرون إلى رجال الجيش والأمن باعتبارهم عملاء وخونة ونادوا بإعدامهم فى الميادين العامة، وأصبحت أصوات العقل الداعية لاستعادة الوطن والحفاظ على مكتسبات الثورة لدى الآثمين من الإعلاميين العملاء أصوات مخنثة.. فالذكورة والعقل في نظرهم أن يذهب العقلاء من الشعب إلى الميادين محملين بقذائف السب في أفواههم وجراكن المولوتوف في أيديهم، ليغلقوا الطرقات ويعطلوا مصالح البسطاء والعامة، وينتهزون الفرصة لحرق الوطن ووأد التاريخ.. ورغم اعترافنا بأخطاء كان قد اقترفها الرئيس وجماعته وخاصة في اختياراته للقيادات والمسئولين؛ إلا أنه ليس من حقنا الجزم بتآمرهم وخبث نواياهم فهم فصيل سياسي له رؤيته يجب أن تحترم.. متى احترم هذا الفصيل آراء الآخرين ووضع لاعتراضاتهم حساب.. فلماذا أصبح الأبطال في أعين الثوار والإعلاميين خونة.. والعقلاء خنثًا.. والسفهاء أبطال.. أين غاب ضمير ثورتنا ولماذا صرنا هكذا .. ماذا تريد الميادين من الثورة ؟ لماذا نلتمس لأخطاء الميادين وحرقهم لتاريخ مصر ومؤسساتها آلافًا من الأعذار.. ولا نقبل لرجل الأمن والجيش الذي يُسحَل في كل لحظة شتمًا وضربًا وإهانةً عذرًا واحدًا.. فأين ذهبت منصة الميدان العادلة.. وهل حقق الإعلام العدل في حكم المعاملة.. ولماذا انحسرت الثورة في التطاحن بين رجال الأمن والميدان.. فأين إرادة شعب مصر المتمثلة في التسعين مليون نسمة الذين هم ليس بثوار ولا عسكر.. ولماذا اختزلت وظيفة حكومة الإنقاذ في وزارة الداخلية وحدها، فلم نسمع صوتًا ولم نر فعلًا لباقي الوزارات.. فأين التعليم والصحة والزراعة والعدل وأين الاقتصاد والصناعة..؟ لماذا أطلقنا على المكممين عشقًا لاستقرار أوطانهم والمتأججين خوفًا على أمنها بحزب الكنبة وهم المنشغلون دومًا بالحفاظ على سلامة الوطن وتعافيه.. فهم مازالوا يزرعون وينتجون لكي تأكل مصر ويحيا شعبها.. ولولاهم لماتت الميادين جوعًا وأصيبت الثورة بخيبة الأمل .. فهم أبطالها الذين مازالوا يحملون اسم مصر في مدارسهم ومزارعهم وكافة الأعمال التي يؤدونها ويتقاضون أجرًا عليها، إنهم آباء وأمهات وأبناء المجندين ورجال الأمن الذين سهروا في شوارع المحروسة لحمايتها من أبنائها المندسين في ميادينها؛ لحرقها وسرقة ثورتها وإطفاء شمعتها.. هم آباء وأمهات وأخوات شباب الميادين الأبرياء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل إسقاط النظام المخلوع وبناء الوطن المصرى الجديد، إنهم حقًا ضحايا الإصلاح والتغيير في كل زمان ومكان.. الذين فقدوا حسرة فلذات أكبادهم.. وترملوا بفقدان أزواجهم.. وجاعوا بفقدان عوائلهم، وغابت كاميرات الإعلام المزيف تارة والعميل تارة أخرى عن رصد أوضاعهم وتخفيف أوجاعهم.. فهؤلاء لم يقفوا في الميادين مهللين ولا في البرلمان مُحَصَنِين ولكنهم مازالوا يزرعون وينتجون.. لكنهم يبكون ولا يضحكون.. واضعين أيديهم على صدورهم ينتظرون عودة الوطن المفقود.. دون أن يفقدوا أبناءهم ولا يضيعوا الشعور بالأمن في قلوبهم .. فهم مازالوا يحلمون بحوار بلا تخوين وسب.. واستقرار بلا دم ونهب .. ووطن حر ونظيف من العملاء والمتاجرين بأمن الوطن ومستقبله... [email protected]