التاريخ يقول إن الدولة البويهية الشيعية لم تحارب الدولة البيزنطية النصرانية القريبة، إنما حاربت الخلافة العباسية السنيّة، والدولة العبيدية الشيعية (المسماة بالفاطمية)، لم تحارب الصليبيين في شمال الأندلس، بل تعاونت معهم لحرب دولة عبد الرحمن الناصر السنية في جنوب الأندلس، والدولة العبيدية الشيعية في مصر لم تحارب الصليبيين عند غزوهم للشام وفلسطين، بل عرضت عليهم التعاون لضرب السلاجقة السنة في هذه المناطق، وعرضت عليهم تقسيم هذه المناطق السنية بينهم، والدولة الصفوية الشيعية لم تحارب فرنسا وإنجلترا وروسيا، بل حاربت الدولة العثمانية السنية وكذلك الدولة الإيرانية الشيعية لم تحارب روسيا الملحدة بل كانت تخطف المجاهدين الأفغان، ولم تحارب أمريكا أو اليهود بل حاربت العراق ثمان سنوات.. لكل هذا التاريخ فإننا نقول إن إيران لن تتطوع بحرب ضد اليهود أو الأمريكان إلا إذا حدث غزو لأرضها فهنا ستظهر المخالب دفاعًا عن الرقعة التي يسيطرون عليها، تمامًا كما حدث من حزب الله الشيعي عند احتلال جنوب لبنان.. والسؤال الملح دائمًا وهو هل يمكن - فعلًا - لأمريكا أن تفتح جبهة جديدة للحرب ضد إيران؟ وهل خطورة النشاط النووي الإيراني ستدفع أمريكا إلى تكرار تجربة العراق؟ وهل المصلحة الأمريكية في العالم الآن تستلزم هذه الخطوة الخطيرة؟ كلها تساؤلات تجعل العالم بأسره يتابع باهتمام هذه القضية الحساسة.. والذي يبدو لي في هذه المسألة أن احتمال ضرب أمريكا لإيران بعيد جدًا، بل لعله غير وارد بالمرة! فأمريكا تعلم أن ضرب إيران قد يُوَحِّدُ السنة والشيعة – على الأقل سياسيًّا - في قضية واحدة هي الحرب ضد الأمريكان، وقد يتوقف مسلسل ذبح الشيعة لسنة العراق، وهذا قد يتعب الأمريكان كثيرًا؛ لأن المقاومة الحقيقية في العراق هي مقاومة سنية، وقد ترفع إيران يدها عن مساعدة شيعة العراق، مِمّا يُرَجِّحُ كفة السنة هناك، وهذا لا شَكَّ سيؤثر سلبًا على الوجود الأمريكي، كما أن أمريكا لا تنسى مطلقًا تجربتها الوحيدة في إيران سنة 1980 لتحرير الدبلوماسيين الأمريكان المحتجزين من قبل شباب الثورة الإيرانية، حيث كانت تجربة سلبيّة، وفقدت فيها أمريكا جنودًا وطائرات وموقفًا سياسيًّا، كما أن طبيعة إيران الجبلية والصحراوية قد تُصَعِّبُ على أمريكا أخذ قرار عسكري ضد هذا البلد، لذلك أعتقد وكلي ثقة أن هذا لا يحمل في مخيلتي إلا معنى واحدًا، وهو أن أمريكا تريد أن تصنع من إيران "عفريتًا" جديدًا يُخَوِّفُ المنطقة بكاملها؛ بحيث يصبح الوجود الأمريكي في العراق والخليج مُبَرَّرًا؛ أي أن إيران ستقوم بالدور الذي كان يقوم به عراق صدام حسين قبل ذلك، حيث حرصت أمريكا على إبقائه في مكانه دون أذى ثلاثة عشر عامًا كاملة، حتى يقبل الجميع بوجود الحامي العظيم (أمريكا) لتحفظ البلاد الإسلامية من شرور عراق صدام! ثم انتهى دور صدام، وضعفت قوته إلى الدرجة التي لم يعد فيها مُخِيفًا لغيره، فكانت تمثيلية أسلحة الدمار الشامل ثم القضاء عليه واحتلال العراق، ولم يجد أحد أسلحة دمار شامل ولا غير شامل، والآن تحتاج أمريكا إلى "عفريت" جديد تُبْقِيه تحت السيطرة، فلا يؤذي أحدًا، ولا تنمو له مخالب، ولا يتطوع بهجوم أو تهور، ولم تجد أمريكا أفضل لهذا الدور من إيران؛ ولذلك قادت هذه الحملة الإعلامية المنظّمة.. وربما ينتهي دور إيران بعد عدة سنوات، لتبحث أمريكا عن عفريت جديد، ولن تنتهي هذه اللعبة السخيفة إلا عندما يصبح المسلمون قادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد أي عفريت في المنطقة سواء كان إيرانيًّا أو أمريكيًّا أو يهوديًّا أو حتى من الفضاء الخارجي!! E-mail : [email protected]