أكرمني الله بأن جعلني أمتهن أعظم المهن وأشرفها على الإطلاق وهي مهنة تربية النشء وتعليم الابناء , أحب مهنتي وأحترمها وأستمتع بأدائها , ولطالما آمنت بأن سعادة الإنسان واستمتاعه بما يعمل هو قرار يتخذه الشخص ذاته ويعمل على تحقيقه , وهو ينبع من داخل نفسه قد تزيده المؤثرات الخارجية في بعض الأحيان وقد تضعفه أحايين أخرى لكن لا توجده من عدم , كما لا يمكنها قتله داخلنا إلا إذا استسلمنا نحن لذلك , وقد قررت أن أستمتع بمهنتي , ويعينني على ذلك دين عظيم أؤمن به و يعدني بالجنة إذا أخلصت في عملي وأردت به وجه الله , وهذا ما أدرب نفسي عليه حينما أستحضر نية العمل في سبيل الله قبل كل يوم أخرج فيه لأداء واجبي , قد يبدو الأمر صعبا في البداية ولكن عاداتنا البسيطة هي كل ما عودنا عليه أنفسنا مرارا وتكرارا . بحكم تواجدي بعيدا عن مصر في دولة خليجية , فقد تعاملت مع جنسيات عربية مختلفة وقمت بالتدريس لهم جميعا وخرجت من تلك التجربة باقتناع داخلي بأن الطالب المصري يتمتع بذكاء حقيقي وقدرة هائلة على الإبداع والإبتكار , ولا تنقصه القدرة على النجاح وإنما فقط تنقصه البيئة الداعمة للنجاح , وأنا هنا لا أقلل من شأن أي جنسية عربية أخرى ولا أغفل بالطبع الفروق الفردية وإنما اتكلم بشكل عام من واقع تجربة لن أخوض فيها , وسأكتفي فقط بالحديث عن تجربة عملي كمعلمة في مدرسة مصرية تقوم بتدريس المناهج المصرية ويجتاز الطلاب إختباراتهم في نهاية العام و يتحصلون على درجاتهم عن طريق السفارة المصرية في تلك البلاد , ومن مزايا تلك التجربة والتي استفدت منها حقا : هو خلق بيئة مصرية مصغرة بالرغم من بعدنا عن أرض مصر , ففي المدرسة تتشابك ثلاث دوائر جميعهم من فئات مصرية مختلفة هم دائرة المعلمات والإدارة , ثم دائرة الطلاب وأخيرا دائرة أولياء أمورهم , حيث يكون تعامل المعلم ضروري مع أولياء الأمور للمتابعة وتنسيق الجهود , وفي تلك البيئة المصرية المصغرة تظهر جلية كل مشاكل المصريين وهمومهم التي يحملونها معهم أينما كانوا بحكم ارتباط المصري الشديد ببلده , وطبيعة دول الخليج التي تكون فيها إقامة المصريين إقامة مؤقتة يتيقن فيها المصري من أنه سيأتي يوم حتما يعود فيه لوطنه , فهو يعمل حثيثا من أجل هذا اليوم ويفكر فيه مليا , ولذا فلا يستغرب أن تكون أقوى مشاركة للمصريين في الخارج على صعيد جميع الإنتخابات التي أقيمت هي للمقيمين بدول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية والتي تحوي أرضها أكبر جالية مصرية مغتربة في العالم كله , كما أنها الدولة الوحيدة التي لا تعطي فرصة الإقامة الدائمة أو التملك لأي من العاملين على أرضها وذلك من خلال نظام ( الكفيل ) الذي مازال ساريا بها حتى الآن , وهذا ما يجعل المصري فيها مهموما دائما بقضايا وطنه يعيشها لحظة بلحظة , وتمثل دائما أمام عينه تلك الحظة التي سيقرر فيها بمحض إرادته أو سيجبر عليها بأن يعود ثانية لأرض بلاده , و ليس من العجيب أن ترى مصري يعيش مدة ثلاثين عاما على أرض المملكة ويتحدث عن هموم ومشاكل مصر التي يعايشها وكأنه مسافرا يستقل قطارا , مهما طالت به الرحلة لا تجده يتصور ولو للحظة بأن ذلك القطار قد أصبح بديلا عن عن بيته الذي يقصده , في تلك المدرسة المصرية تستطيع أن ترى عن قرب كل خصائص الأسرة المصرية , حينما تتعامل مع أحد أفرادها وهو الابن أو الابنة , وغالبا ما تميل تلك الأسر إلى إيداع ابنائهم جميعا ذات المدرسة , خاصة إذا كانت مدرسة مشتركة تضم الجنسين من البنين والبنات , وما يستطيع أن يخبأه البالغ بحكمة وخبرة السنين لا يستطيع أن يخفيه الابن البرئ الذي لم تلوكه السنون بعد , وبصفة عامة فإن العيوب الفردية التي داخل كل إنسان منا تظهر بوضوح حينما يتغرب عن وطنه , فهو يتعامل مع الجميع بإحساس المسافر الذي لن يلتقي بأي من مرافقيه ثانية , فهو يتصرف على طبيعته لا يجامل ولا يتودد , فهم جميعا في نظره رفقاء قطار لن يلبث أن يتوقف في محطات مختلفة ويفترقون جميعا , كانت تلك هي المرة الأولى التي أقوم فيها بالتدريس للبنين , ولن أستطيع أن أخفي أن التجربة كانت جديدة بالكامل علي وحملت الكثير من الصعوبات , ولم تنفعني خبرتي بتعليم الفتيات , فالوضع جد مختلف , و كانت تحضرني دوما الآية القرآنية ( وليس الذكر الأنثى ) ( سورة آل عمران ) كنت أراها حاضرة ماثلة في كل مشهد ولقطة تمر أمام عيني , كنت أؤمن بضرورة وحتمية الفصل بين الجنسين في مرحلة المراهقة , وينبع ذلك الإيمان من خلفية تسليمي بأوامر ديني , وإقتناعي بأن ( الإسلام ) منهج الله هو الأفضل لسعادة الإنسان وتسيير حياته , فهو ( الكتالوج ) الذي جاء من الصانع مباشرة وبدون تحرييف أو تزييف , كما أن إطلاعي على العديد من الدراسات العلمية والنفسية التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الفصل بين الجنسين في مقاعد الدراسة هو الأفضل لهما جميعا , هو الأفضل لصحتهما النفسية ولتحصيلهما الدراسي . { وفي دراسة للباحثة الإنجليزية ( جينيفر كوتس ) وهي محاضر أول للغة الإنجليزية وعلم اللغة بمعهد ( ريهامبثون بلندن ) في كتابها ( النساء والرجال واللغة ) والذي نشر في نيويورك عام 1986 وقد قام بتقديم دراسة له الدكتور ( أحمد مختار عمر ) ونشر الملخص في ( المجلة العربية للعلوم الإنسانية ) التي تصدر عن جامعة الكويت , تحدثت الدراسة عن 1- سوء التفاهم بين الرجال والنساء نتيجة تبني كل منهم قواعد مختلفة للمحادثة وتفسير سلوك الطرف الآخر من وجهة نظره هو 2- ثم تحدثت عن الآثار السلبية والخطيرة التي تنتج عن الإختلاط في التعليم بين الجنسين , وبينت الدراسة المشكلات التي تثور في الفصول الدراسية نتيجة إختلاف السلوك اللغوي بين الذكور والإناث , وقد انتهت الدراسة إلى أنه من النتائج السلبية لإختلاف الأسلوبين بين الذكر والأنثى : إلحاق الضرر بالإناث لأن أسلوبهن يؤدي بهن إلى التحول إلى جنس مسيطر عليه في المجموعات المختلفة , كما يؤدي لإلحاق الضرر بالذكور لأنهم يفتقدون عنصر التنافس الذي تخمده طريقة المرأة في المحادثة , وتأتي معظم الأضرار ( كما تقول الدراسة )من 1 - قدرة الذكور التواصلية التي تفوق الإناث , على الرغم مما هو مشهور عنهن 2- حرص الذكور على لفت الأنظار إليهم في حين يدفع حياء الإناث إلى متابعة كلام الذكور في صبر 3- ميل الذكور إلى التفاخر والتظاهر باستسهال الإختبارات الصعبة في حين أن البنات يظهرن القلق في أدائهن 4- المشاركة الإيجابية للذكور والمبالغة في إظهار تفوقهن اللفظي على الإناث مما يدفع الإناث لكثير من السلبية 5- كما أظهرت الدراسة ميل الذكور الدائم على الإستهزاء بطريقة الإناث في التحدث والتعامل في حين لم تظهر لدى الإناث تلك الرغبة في السخرية من الذكور وانتهت الدراسة إلى القول بأن الإختلاط لدى الجنسين في مقاعد الدراسة في فترة المراهقة أمر في غاية الخطورة ويحمل الكثير من الآثار السلبية والأضرار للجنسين معا , ويكون الضرر الواقع على الإناث أكبر منه على الذكور } ومن واقع عملي في مدرسة أجبرتها الظروف ( في مراحلها الأولى ) على ذلك الإختلاط , فقد كانت التجربة تمثل فائدة حقيقية لي , حين تصبح الدراسات تعبر عن واقع ملموس , حينما يمكنك عن قرب أن تتعايش مع كثير من الحقائق التي تقرأها وتسمع عنها وتؤمن بها فيتحول الإيمان لديك من علم اليقين إلى عين اليقين , لم استفد فقط من مزايا تلك التجربة الثرية وإنما أستفدت أكثر من عيوبها , حينما وضعت يدي على كثير من المشاكل التي تنجم عن الإختلاط بين الجنسين في مقاعد الدراسة , وكذلك العديد من المشاكل الصفية التي تقابل المعلمين في المراحل الدراسية العليا نتيجة ضعف المحتوى العلمي والثقافة المغلوطة التي تكونت عبر سنين في العقل الجمعي لدينا وتسئ للمعلم وخاصة معلمي اللغة العربية ودراسة اللغة ذاتها , ..مع قلة الإمكانيات و عدم التأهيل الكافي الذي تعاني منه أغلب مدارسنا المصرية , نشأت مواقف عديدة قابلتني واستفدت منها حقا , استكمل حديثي عنها في مقالي القادم بإذن ال أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]