يحز في نفسي كثيرا أن أسجل هذا الاعتراف، وأن أنقل هذا الانطباع لكن ما يغفر لي هو عشقي لهذا البلد وحبي اللامحدود لمصر، ولن أبالغ إذا ما قلت أن حب مصر فطري يولد معنا. لو سألت كل علماء النفس وكل علماء الاجتماع وكل الخبراء والاستراتيجيين والمحللين السياسيين وكل فلاسفة الأرض وقلت لهم: " من وراء ما يحدث في مصر؟ " لأجابوا مباشرة دون تفكير أو تردد " إنهم المصريون أنفسهم ". قد ينزعج البعض من ذلك الرد ويتململ من صراحته وصدقيته، لكنها الحقيقة يا سادة، الخطأ فينا نحن المصريين. قمنا بثورة أذهلت العالم كله بتماسكنا ووحدتنا ثم سرعان ما انقلبنا على أنفسنا واختلفنا على من له الحق في الرئاسة والوزارة والبرلمان. قبل أن يجف عرق جهادنا، ونثأر لدماء شهدائنا، وقبل أن نداوي جرحانا، ونعيد بناء مؤسساتنا، طالب كل منا بمقابل خروجه ضد الطغاة. وكأن استرداد البلاد من اللصوص والظلمة يستأهل أن نضعها في يد من استرجعها لا أن نعيدها لأصحابها الحقيقيين وهم المصريون جميعا أقباط ومسلمون. اسأل نفسك عن البلطجية الذين يروعون الناس والشمس في رابعة النهار، يستوقفونهم في الطرقات ويستولون على ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، ستكتشف أنهم أبناء مصريين. ولو دققت قليلا فيمن يحاصرون قصر الاتحادية ويهاجمونه بالقنابل الحارقة ويقذفونه بالحجارة أو من يدافعون عنه أو من سقطوا قتلى لتأكدت أنهم مصريون. ولو حولت ناظريك قريبا إلى أعلى كوبري قصرالنيل أو كوبري 6أكتوبرلرأيت شبابا يشعلون الإطارات ويغلقون الجسور أمام السيارات، أليسوا شبابا مصريين؟ انظر من هناك على ميدان التحرير وتفحص من استولوا عليه منذ شهور، وابحث فيه عمن دنس قدسيته الثورية باغتصاب المصريات، ثم تحرك خطوات قليلة لتصل إلى مجمع التحرير وتأمل وجوه من يغلقونه أمام المراجعين ولم يشغلهم إذا ما تعطلت مصالح الناس أو المسافة التي قطعوها أوعامل الوقت في بعض المعاملات، ترى من هؤلاء؟ إنهم مثلنا مصريون. لو توقفت قليلا في ميدان عبد المنعم رياض أو ميدان رمسيس أو في أي ميدان من ميادين الثورة لأبصرت سائقين يتخطون الإشارة الحمراء، ولا يكترثون لعسكري المرور ، بل ويسيرون بمركباتهم في عكس الاتجاه، لو سألتهم من أنتم، لقالوا نحن مصريون. ولو كنت من غالبية الشعب المصري ممن يقف لساعات في طوابير الخبز والغاز لرأيت بأم عينيك المحسوبية والرشاوى قد وصلت رغيف الخبز الذي فقد وزنه، والغاز الذي يتم توزيعه هدايا ورشاوى، ولو دخلت هُنَيَّةً لداخل المخبز أو المستودع لوجدت نصيب السوق السوداء جاهزا. من يفعل ذلك؟ أليسوا من أقاربنا وجيراننا وربما أصدقائنا المصريين. اترك القاهرة واتجه شمالا باتجاه المحلة واخبرني عمن يقود الاضطرابات هناك، ومن يستغل الدماء للمتاجرة بها، ومن يهاجم أقسام الشرطة؟ ولو واصلت رحلتك صوب الإسكندرية لصدمك اقتحام المحاكم وحرق أوراق القضايا لتضيع معها حقوق المظلومين، وإذا ما أكملت مسيرك لمسجد القائد إبراهيم ستتحسر على حصار المساجد في مصر المسلمة واحتجاز الشيخ المسن، أظنك تعرف من يفعلون ذلك، إنهم إخوان لنا مصريون. عد إلى بورسعيد فإن أهلها يحتاجون مواساتك مرات ومرات، مرة للغدر بهم في الاستاد ومرة لحبس أبنائهم ومرة لقتل أطفالهم وشبابهم وشيوخهم، ومرة رابعة لإجبار بعضهم على العصيان بالتهديد والسلاح، ومرة خامسة لاستنجاد بعض أبناء مدينتهم الباسلة بالغرب من على ضفاف القناة ووضع بالونات SOS ، وواسيهم مرة أخرى لتجاهل الحكومة والرئيس لهم بل والاشتراك في غبنهم وظلمهم، لا يمكن أن نشك أن من يفعل ذلك كله ليسوا مصريين. لو جلست أمام التلفاز وقمت بجولة بين محطاته لتفاجأت من حجم كراهيتنا لبعضنا، وأيقنت أن الحقد قد ملأ صدورنا، وصار بغضنا لأنفسنا يسبق حبنا لمصر، ولثبت لك أن تجاوزات بعض إعلاميينا وصحفيينا فاقت الحدود. أليس هؤلاء مصريين؟ راقب للحظات أداء جهاز الشرطة وتحقق من هؤلاء الذين يجرونه للخلف كلما تقدم ويرتكبون الحماقات عمدا للإساءة لكل إنجاز يقوم به المخلصون، لا تستغرب فهم أيضاَ مصريون. ولن تصدق أكثر حين ترى أعضاء النيابة يحاصرون مكتب النائب العام، وبعض الإسلاميين يحاصرون مدينة الإنتاج الإعلامي ويتناوبون مع المعارضة في حصار الدستورية، للإسف كلهم مصريون. لعلك انزعجت كثيرا، فالحقيقة دائما صعبة ومرة، وما يزيد صعوبتها حدوث انفصال سريع بين الحاكم والمحكوم. فالرئيس بات معزولا، وترك المخربين والعصابات يعيثون في الأرض فسادا. والجيش انشغل برد الأكاذيب ونفي الشائعات التي ربما أثرت على أدائه. والمعارضة صارت عبئا ثقيلا على المواطن بما ترتكبه من أخطاء، وافتقدها للرؤية الواضحة وظهور بوادر الإنقسام التي تعصف بها. ولا جديد لدى حزبي النور والحرية والعدالة فقد وصلا لحافة الهاوية وتسربت إمارات الفشل باستفحال التنازع ومن ثم ذهاب ريحهما. الأكيد أننا بتنا أشبه بدويلات وقبائل منفصلة داخل الدولة يعم الهدوء أطرافها وتضرب القلاقل والاضطرابات أعماقها. هل عرفت الآن يا صديقي أين يكمن العيب؟ لا تحتاج للبحث بعيدا ولا أن تقع أسيرا للمؤامرات الكونية. إن العيب فينا يا سادة. ما نحتاج إليه بصورة عاجلة الآن ثورة أخلاق تطهرنا جميعا وتعيدنا لأيام الثورة الأولى. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]