محيي الدين: الاستثمار في البشر أهم ما تملكه أي دولة تسعى للنمو والتقدم -(صور)    مدير تعليم القاهرة: لا تهاون في الصيانة واستعداد كامل لاستقبال الطلاب    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الاثنين 15 سبتمبر 2025    بعد الارتفاع القياسي لعيار 21.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025 بالصاغة    سعر الطماطم والبطاطس والخضار في الأسواق اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2025    عمرو أديب: الإصلاحات الاقتصادية تعبير دمه خفيف وظريف جدًا لزيادة الأسعار    عمرو أديب: حرام أن يعمل إنسان بأقل من الحد الأدنى للأجور.. عندنا في مصر كارثة حقيقية    القانون يعاقب بالحبس كل من يعرض حياة المستهلك للخطر    الذهب الأبيض.. انطلاق حصاد القطن بالقنطرة شرق بالإسماعيلية    "القومي للمرأة" يستقبل وفد زوجات الظباط الأفارقة    مشروع بيان قمة الدوحة يشيد بقرار الأمم المتحدة الداعم لإقامة دولة فلسطينية    الشرطة البريطانية تلقي القبض على 25 شخصًا على خلفية العنف بمسيرة لندن    وزيرا الخارجية العراقي والإيراني يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع بالمنطقة    كيف فشلت الرادارات الأعلى تطورًا في رصد الهجوم على قطر؟.. عماد الدين أديب يحلل    إسرائيل تجمد جميع أنشطتها الدبلوماسية حول العالم.. ما القصة؟    الحوثيون: مقتل 31 صحفيًا بهجوم إسرائيل على صنعاء الأربعاء الماضي    القمة العربية – الإسلامية فى الدوحة.. بين المُتاح والمأمول    نتنياهو يغيّر مسار رحلته إلى أمريكا بسبب المحكمة الجنائية الدولية وجرائم غزة    «تطاول وتجريح».. سر إشارة تريزيجيه لجماهير الأهلي في مباراة إنبي    كأس الإنتركونتيننتال.. موعد مباراة بيراميدز وأهلي جدة السعودي    منتخب مصر تحت 20 عامًا يبدأ تدريباته في تشيلي استعدادًا ل كأس العالم    خالد جاد الله: الأهلي يعاني من تخمة النجوم.. والشحات أفضل من زيزو وبن شرقي    محمد إسماعيل: التعادل مع الأهلي مرضٍ رغم الجدل التحكيمي    مشاهد مثيرة من مباراة الأهلى وإنبي.. فيديو    عمرو وردة: تعرضت لظلم وتجاهل كبير.. وأريد المشاركة مع مصر فى كأس العالم    احتجاجات مؤيدة لفلسطين تُربك "الفويلتا" وتحوّل ختامه إلى مشهد استثنائي    السيطرة على حريق داخل دار رعاية لذوي الاحتياجات الخاصة بأكتوبر دون إصابات    بالأسماء.. إصابة 4 من أسرة واحدة في البحيرة بعد تناول وجبة مسمومة    مصرع طفلة بعقر كلب داخل كمبوند بأكتوبر    حبس عامل متهم بقتل شقيقه في الجيزة    تفاصيل محاكمة عصابة مسلحة سطت على مزارع في الصف    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    الشاشة وقوة البطارية والإمكانات.. مقارنة بين «آيفون 17 برو ماكس» و«سامسونج جالاكسي S25 ألترا»    بلطجي المطرية في قبضة الشرطة بعد فيديو صادم على السوشيال    بالصور.. روائع فرقة رضا تخطف أنظار جمهور «صيف قطاع المسرح»    محمود محي الدين في صالون ماسبيرو الثقافي: النظام الاقتصادي العالمي انتهى ويجب تحييد السياسة لأجل الاقتصاد    د.حماد عبدالله يكتب: " الكذب " له ألوان متعددة !!    «طالب طلبات دمها مش خفيف من مصر».. عمرو أديب يكشف شروط صندوق النقد    لقاء الخميسي في الجيم ونوال الزغبي جريئة.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    "قصيرة وشفافة".. 25 صورة ل هيفاء وهبي بفساتين جريئة    محمد عادل حسني: تأهل منتخب الكرة للساق الواحدة لكأس العالم إنجاز غير مسبوق    قائد منتخب مصر لكرة القدم للساق الواحدة: حولت الابتلاء إلى قصة نجاح وأمل    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيامه وعيد الفطر المبارك    لا تقترب من السكر والكربوهيدرات المكررة.. 5 أطعمة تساعدك على التخلص من ترهل الذراعين    إليك هم النصائح لنوم منتظم يساعد الأطفال على الاستيقاظ بنشاط وحيوية    الصحة عن إصابات العمى بمستشفى 6 أكتوبر: نقل المصابين لمستشفى الرمد بروض الفرج.. وتحرك لعدم تكرار الواقعة    كيف تهيئ الأم طفلها نفسيًا لأول يوم دراسي بلا قلق أو توتر؟    مطرانية المنيا للأقباط الأرثوذكس تصلي على جثمان الكاتب الصحفي والمفكر الراحل سليمان شفيق    ما حكم عمل المقالب في الناس؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة قناة السويس تستقبل وفد منطقة الوعظ بالإسماعيلية لبحث التعاون    توزيع حقائب مدرسية وأدوات مكتبية على الأيتام والأسر غير القادرة بمطروح    شركة مياه الشرب تعلن عن وظائف جديدة بمحافظات القناة    تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 284 ألف مواطن ضمن "100 يوم صحة" بالمنيا    الصحة: إيفاد كوادر تمريضية لليابان للتدريب على أحدث الأساليب في التمريض    هل يجوز أن أنهى مُصليًا عَن الكلام أثناء الخُطبة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعطيل العمل بالقسم القنصلي للسفارة المصرية بالدوحة    «الإفتاء» تواصل عقد مجالسها الإفتائية في المحافظات حول «صلاة الجماعة.. فضائل وأحكام»    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تربويون من مصر
نشر في المصريون يوم 18 - 11 - 2009

سنة من سنن الخالق فى خلقه..التقابل ، بين ملاك وشيطان ، خير وشر ، ليل ونهار ، سماء وأرض ، فرد ومجتمع ، وهكذا ،وبطبيعة الحال ، حتى لا يقع الخلق فى استقطاب قد يعوق ولا ييسر ، قد يكون سببا فى هدم ، لا سببا فى بناء ، جعل الخالق من سننه أيضا " تفاوت " فى الدرجات والألوان والمستويات بين طرفى كل تناقض وتقابل ،وجعل الكثرة من هذه الفئات الوسط ،والقلة فى أطراف المعادلات .
وفى كل مهنة ، يمكن لك أن تجد أمثلة لطرفى التقابل ، لكنها قليلة ، وتجد كثرة من تلك الفئات الوسط .
ويصبح من المهام الأساسية ، كيف تقدم آيات التقدير والعرفان والتشجيع للطرف الأول ،والتحذير من الطرف المقابل ، ويصبح هذا الجهد خدمة عظيمة تُقَدم للمهنة التى تنتمى إليها. وقد سبق لنا أن قدمنا بعض النماذج غير الطيبة فى الوسط التربوى منذ عدة شهور ، وتصورنا أن تلك الصيحة سوف تذهب أدراج الرياح كمئات المقالات التى كتبناها عن قضايا مهمة ، لكن الحديث عن الفئات المَرَضية، من حسن الحظ حظى باهتمام غير مسبوق ، ففى الوقت الذى تلقى الكاتب فيه تهانى ومؤزارات متعددة ، رأى عكس ذلك أيضا ، ولم يكن عسيرا تفسير : لماذا جاءت التهانى من هنا ، وجاء الهجوم من هناك ، بل ، لو لم يحدث هذا وذاك لكان هو المستغرب حقا.
واتصالا بهذه القضية ، أجد نفسى اليوم أمام شخصية عكسية لما سبق أن كتبت عنهم ، ولأننا عاهدنا أنفسنا منذ سنوات طويلة ألا ننال شخصا بذاته من أبناء المهنة بنقد قاس ، إلا بمواجهة شخصية ، بينما نفعل ذلك على المستوى السياسى العام ، حتى أننا نحمد الله أن كنا من أوائل من تصدوا بالنقد عام 1984 وما بعده لمستويات قيادية لم يكن أحد من قبل يتعرض لها ،وإن كان هذا قد أصبح اليوم أمرا عاديا .
وعلى العكس من ذلك ، عندما كنا نرى نماذج مشرقة ، بانية ، عالمة ، نحرص على أن نخصها بالاسم ، مثلما كتبنا من قبل عن الدكاترة : سيد عثمان ،وفؤاد أبو حطب ، وكمال دسوقى ، وصبرى الدمرداش ،وعبد الراضى إبراهيم ، مع لفت الانتباه أن أحدا من هؤلاء لم يكن صاحب سلطة ولا مال ، حتى لا نكون من الساعين إلى الاسترضاء ، ولن يكون هناك من بأس أن نعاود الحديث عن بعضهم ، فالنماذج المضيئة ، لا يُستغنى عن الاهتداء بها طوال الوقت ، ولا يُستغنى عن تكرار ذكرها ، حتى تعرف الأجيال الحالية والقادمة ، أنه مثلما هناك شياطين ، فهناك ملائكة ، وأنه مثلما هناك هدامون وقتلة ، هناك بناة ومُيَسرى حياة .
ومن هنا ، لا أملّ أبدا الحديث عن " تاج التربويين " حقا وفعلا و " لؤلؤة التربية " ،لا فى مصر وحدها وإنما فى الوطن العربى بأسره ، على الرغم من أنك إذ تفتح المذياع ، أو التلفاز أو هذه الصحيفة أو تلك ، أو قوائم الحاصلين على الجوائز الكبرى ، لا تجد له ذكرا ، وهى ظاهرة معروفة فى المجتمعات المتخلفة ، وهى الظاهرة التى سبق أن كتبنا عنها مقالين ، أحدهما بعنوان " تقزيم العمالقة " ،والثانية بعنوان " عملقة الأقزام " ، حيث يُدفع بعدد من المتميزين فى هذا المجال أو ذاك ، إلى دائرة التعتيم ، وعلى العكس من ذلك ، يمكن أن يحظى من لا يستحق بالأضواء والإشادة والإلحاح الإعلامى وما شابه .
أما هذا الذى أعتبره لؤلؤة التربية وتاج التربويين حقا فهو الدكتور سيد عثمان ، الرجل الذى لا تقترب منه إلا وتلمس كيف يكون الإنسان: عف اللسان ، ثاقب التفكير ، حاد الذهن ، طاهر القلب ، يتحول القلم فى يده إلى طاقة ذرية ،للأغراض السلمية ،والحربية، يبنى بها صروح علم وتفكير ،ويهدم بها أيضا جُدر الوهم والتراجع والفردية والحقد الأسود .
فى عام 1972 ، عنّ لى أن أُصدر ما عرف " بالكتاب السنوى فى التربية وعلم النفس " ، حيث كانت الساحة فى مصر فى ذلك الوقت تخلو على وجه التقريب من دوريات لنشر البحوث التربوية والنفسية ، باستثناء ثلاث مجلات كانت تصدر عن الجامعة الأمريكية ، ورابطة خريجى معاهد وكليات التربية ، ومركز سرس الليان ، لكنها لم تكن تتسع لنشر البحوث المتعمقة المطولة ، ولا كانت هناك فرص عقد مؤتمرات كبرى .
ما أن ترامت فكرة الكتاب ،وهو فى المطبعة حتى هبت نماذج من تلك التى أشرنا إليها فى مقال سابق ، وما سوف نشير إليه بإذن الله فى مقالات تالية ، تُشًَهّر بكاتب هذه السطور ، على اعتبار أنه " لسه خارج من البيضة " ، أى حديث الحصول على الدكتوراه ، ويريد أن يكون " زعيما " !
وكان سيد عثمان ، على رأس قائمة من كوكبة من علماء التربية وعلم النفس استجابوا للدعوة فى الالتفاف حول الكتاب والكتابة به ، مثل الدكاترة فؤاد أبو حطب ،وحامد زهران ،وحسان محمد ،وغيرهم من الإخوة الكرام . بل لقد توعد أستاذ كبير علنا بأن لابد لمثلى ألا يتخطى حاجز الترقية إلى أستاذ مساعد– عندما حل موعدها - حتى يتم تحجيمى وأظل قابعا فى الظل ، لأن الأضواء هى للكبار فقط ، حتى ولو كانوا لا يعملون !
بلغت الحرب ذروتها ، بأن تم الاتصال بالمشاركين وحثهم على سحب بحوثهم من المطبعة حتى ينهار المشروع ،وهو لم يزل بعد فى المهد صبيا ، إلى الدرجة التى بلغ بى الحزن والأسى من أساتذة كبار توقعت أن يشدوا من أزرى ، فإذا بهم يرون ألا يجب أن تكون هناك فرصة كى ينمو شخص آخر ليكون كبيرا ، بعمله وجهده ، مع آخرين ،وفى لحظة ، شعرت فيها باليأس الفعلى وشرعت فى صرف النظر عن المشروع .
هنا ، يأتى دور الأستاذ الكبير الحقيقى ..عندما يرى ابنا ، أو أخا أصغر ، يجتهد ، وينمو ، فيرى المسألة فى موضعها الصحيح ،فيؤازر ويشجع ، ولا يستسلم للغل الأسود الذى يأكل بعض القلوب ..إنه سيد عثمان ، فقد صاح فى وجه كاتب هذه السطور أن يصمد ،وإلا فقد ثقته فيه ،وأنه إذا لم يكمل المسيرة ، فسوف يكملها هو مع آخرين ...وهزتنى الكلمات التى لم أنسها حتى اليوم ،واستعدت الثقة فى الكبار ،وبدا يتضح لى حقا أن الكبير لا يكون كذلك بسنوات عمره ، ولا بدرجته ،وشهرته ،ومواقعه ، مهما علت ،وإنما الكبير ، كبير بجهده فى البناء والتشجيع عليه ، بعطائه العلمى ، بنقاء سريرته ، بخلو قلبه من الحقد الأسود ، بعفة اللسان والقلم !
وفى دراسة سابقة لى عن سيد عثمان ، حاولت أن ألخص بعض كتبه ، فإذا بى أقف عاجزا عن ذلك ، مكتفيا بتقديم " مقتطفات " ..
كان الأمر بالنسبة لى مثلما يكون بالنسبة لديوان شعر لشاعر عظيم ، هل يمكن أن تلخصه ؟ كلا ، هكذا كتب سيد عثمان : معمار فكرى ، علمى ، كل حجر فيه ، فريد فى طبيعته وفى شكله وفى صياغته ، لا تملك شجاعة الاستغناء عنه للتلخيص ، فلا عبارة يمكن التغافل عنها ، بل ولربما لا أبالغ إذا قلت ، ولا كلمة !
كان أستاذنا الراحل زكى نجيب محمود يحدثنا مرة عما أسماه " نصل أوكام " الذى يقول بأنك إذا حذفت كلمة أو عبارة من بنية كلامية ، فلم يهتز البناء ، فهى زائدة ولابد من حذفها فورا ، فماذا إذا وجدت نفسك أمام أبنية فكرية وعلمية ، لا تستطيع أن تستغنى عن حرف منها ، كما هو الحال فى كتابات سيد عثمان ؟
ولعل أحد الاسباب المهمة فى تفسير ذلك ، أنه ذا نهج " نحلى " فى الكتابة ، أى مثل النحل ، يطوف بزهور المعرفة المختلفة يمتص رحيقها ، ثم إذا به يُخرج منتجا مختلفا تماما ، هو العسل الصافى الذى فيه شفاء للقراء ، عاشقى المعرفة الحقيقية .
ولا أخفى عن القارئ ، أننى عندما أفكر فى هذا العالم العظيم ، فى الوقت الذى أشعر فيه بالزهو والفخر أن عرفته وصادقته عن قرب ، أشعر فى الوقت نفسه بالأسى والحزن ، حيث من أمنياتى أن أراه ملء السمع والبصر ، حتى يمكن لآلاف غيرنا ، أن يفيد منه ، لكنه القانون الاقتصادى اللعين ، يطل برأسه ليفعل فعله : العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة !
فما من يوم يمر ،إلا ويدخل الساحة الكثير من النماذج الرديئة والتى بلغت كثرتها حدا رسخ قيما متردية ، حتى أصبح البعض يرى الحق باطلا والباطل حقا ،وتمد يدك بالتحية ، فإذا بمن أمامك - لكثرة شيوع سوء الظن والقيم الهابطة – يتصور أنك تمد يدك لتخطف منه قرشا أو لقمة ، فيبادر إلى التصرف المضاد لما توهمه ، ومن ثم فلربما بادرك بحجر أو لطمة أو غير هذا وذاك من صور الإيذاء .
لقد بدأ سيد عثمان فى الانسحاب من الساحات التربوية العامة منذ ما يقرب من عشرين عاما أو تزيد أو تقل ، لمثل هذا الذى أقول ، وما جرى على شاكلته ،وآه لو حاول أن يخرج الآن من عزلته ، فسوف يرى أن ما كان يشكو منه بالأمس ، صار أمنية لبعضنا اليوم ، من بشاعة ما جرى ويجرى من سوء حال ، حتى أننى أصبحت أحسده على قراره الشجاع ،وأحيانا ما تمر بى فترات أقرر فيها أن أفعل مثله بالانسحاب ، ثم إذا بى ، بعد فترة أضعف وأعاود الحركة والجهد ، فتحية له من قلب محب ، نائبا عن مئات آخرين يحملون له ما يستحق من التقدير والحب والعرفان ، متعه الله بالسحة والعافية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.