كثيرون وأنا منهم راحوا يقرأون الدستور من جديد ليطمئنوا على مجلس النواب القادم، وهل سيكون مصيره الحل مثل سابقه بقرار من المحكمة الدستورية العليا لعدم أخذ قانون الانتخابات بقراراتها بشكل نصي منضبط. لم أجد – بقدر فهمي للدستور وقد يكون فهمًا قاصرًا- ما يجيز للمحكمة الدستورية إصدار قرار بحل مجلس النواب، بل إنه صار بالإجمال محصنًا ضد الحل قضائيًا، وحتى في المادة التي تجيز لرئيس الجمهورية إصدار قرار مسبب بحله، فإنها مادة شديدة الصعوبة على أي رئيس لأنه لابد أن يعرض الأمر على الاستفتاء الشعبي، فإذا رفضته الأغلبية، وجب عليه أن يقدم استقالته، أي أنها مجازفة غير مضمونة العواقب. لكن أيضًا لا نعرف.. كيف تتصرف المحكمة الدستورية العليا إذا لم يأخذ المشرع –وهو مجلس الشورى– بالقرار الذي اتخذته بموجب الرقابة المسبقة، كما في مادة "المستثنى" من الخدمة العسكرية؟.. هنا صار خلاف بشأن العمل بنص الحكم وذلك لم يورده الدستور، أو بمقتضاه، أي روح النص أو مدلوله العام وليس منطوقه الحرفي. المحكمة مثلًا بررت رفض ترشح "المستثنى" من الخدمة العسكرية، بأنه لا يجوز أن يكون نائبًا عن الشعب ومشرعًا للقوانين من تم منعه من أداء الخدمة العسكرية لمقتضيات المصلحة العامة وأمن الدولة. مجلس الشورى عدل نص المادة تبعًا لذلك باشتراط ألا تكون صدرت ضد المستثنين أحكام قضائية، وبذلك فقد تم الأخذ بما رمت إليه المحكمة الدستورية العليا، باعتبار أن سلب الحقوق لا يتم إلا بحكم قضائي. على أي حال.. ماذا تفعل المحكمة إذا لم يؤخذ بحكمها خصوصًا أن المادة 177 من الدستور لا تجيز لها الرقابة اللاحقة على قوانين الانتخابات؟ تجيب على ذلك الفقرة الأخيرة من المادة 187 "ينظم القانون ما يترتب على الحكم بعدم دستورية نص تشريعي من آثار". وهذا يعني أن المشرع نفسه – سواء مجلس النواب أو مجلس الشورى– هو المنوط بالقانون المنظم لما يترتب على قرار المحكمة الدستورية بخصوص عدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات، ولا يفيد أن نقول إن القانون موجود سلفًا، وكان يطبق على قرارات المحكمة الدستورية التي حلت بمقتضاها مجالس شعب سابقة، ذلك لأن رقابة المحكمة كانت لاحقة في ذلك الوقت، ما يعني أن مجلس الشورى أو مجلس النواب القادم سيعدل القانون ما يلائم الدستور الجديد. أيًا كان شكل ذلك القانون فلن يرتب على الإطلاق حكم "حل مجلس النواب" كأثر من الآثار المترتبة لأن "الدستورية" سيكون دورها منعدمًا حينئذٍ، ومحكمة النقض هي المحكمة الوحيدة التي يكون لها دور بعد الانتخابات، إلا أن الدستور لم يعط لها سلطة الحكم بحل مجلس النواب وإنما الفصل في صحة عضوية أعضائه حسب المادة (87) وتقدم إليها الطعون خلال مدة لا تجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان النتيجة النهائية. في حالة الطعن على الأعضاء "المستثنين" من الخدمة العسكرية لتفعيل قرار المحكمة الدستورية العليا مثلًا، فإن "النقض" يفصل في عضويتهم وتنسحب الآثار عليهم فقط وليس على مجلس النواب ككل. بالنسبة لمعضلة "الاستثناء" من الخدمة العسكرية، أرى أنه لم يكن هناك داعٍ لأن يضمنها المشرع قانون الانتخابات بحيث أوقعنا في الشكوك المثارة حاليًا، فاللفظ الدستوري الخاص بالإعفاء من الخدمة أغنانا عن ذلك، لأنه لفظ محكم لغة ودلالة، فالإعفاء ينصرف إلى كل من لم يؤد الخدمة العسكرية لأي سبب، إضافة إلى أن الحقوق السياسية مصانة بنص الدستور وفي جميع القواعد الدستورية الدولية ولا يجوز سلبها إلا بحكم قضائي، فيما تشترط المادة (113) في أن يكون المترشح متمتعًا بحقوقه السياسية والمدنية. طبعًا المسألة تحتم الإسراع بوضع قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية. [email protected]