شكت لي إحدى المعلمات المستجدات أن مدير المدرسة، وهو في سن جدها، كان ينظر بشكل ملفت إلى يديها إلى أن بق البحصة وسألها "يا بنتي أنت مخوطبة أو مقرية فاتحتك أو ناوية تتزوجي قريبًا؟!" و لما كان جواب السؤالين الأولين بالنفي والثالث في علم الله، و بعد أن أثبتت كفاءتها في الامتحان والحصة التجريبية تم توقيع العقد معها!! لم تفهم المعلمة السنفورة السبب من هذه الأسئلة الخصوصية جدًا بل ضايقها أن يسألها رجل هرم مثل هذه الأسئلة وظنت أنه يتسلى أو يريد أن يخطبها لأحد!! ولكن المعلمات الخبيرات الضليعات المتمرسات في سياسات المدارس أخبرنها أنهم يخافون على أنفسهم كمدارس وإدارات من خطبة المعلمات العزباوات وما بعد الخطبة من زواج و إجازة زواج وحمل وتعب الحمل والولادة وإجازة الأمومة ومعلمات بديلات ومصاريف زيادة وخسائر!!! معلمة أخرى تعينت في مدرسة وهي حامل دون أن تعرف أن عليها أن تفصح عن ذلك ولما لم يظهر عليها الحمل إلا في الأشهر الأخيرة اتهمتها الإدارة بالخداع والنصب وساومتها بأن تعطيها أسبوعين إجازة أمومة لتستأنف بعدها الدوام، أما الوليد وصحته وصحة الأم فلم تكن ضمن شروط العقد الضمني غير المكتوب الذي يفضل أن تكون المعلمة عزباء دائمة تترهبن للمدرسة التي تعمل فيها وتتفرغ خارج وداخل أوقات الدوام وفي العطل أو كبيرة في السن قد أنهت ما عليها من الخلفة والتربية! و تتوقع معظم المدارس، الخاصة بالذات، هذه التضحية الجليلة المنافية للفطرة والإنسانية ولا تقدم للمعلمة أي تقدير لجهودها وتفانيها ولا حفظًا لكرامتها بل يستطيع التطاول عليها طفل في سن الحضانة بدعم من والديه فتغيب المدرسة وراء الشمس في مدارس تجارية التلميذ الزبون فيها دائما على حق!!! لا شيء عجيب عندما تتحول معاهد العلم إلى دكاكين ومشاريع استثمارية يُحسب فيها قيمة الهواء الذي يتنفسه الطلاب وتوضع عليه تسعيرة بغية مضاعفة أرباح المساهمين وحملة الأسهم! نسي هذا المدير وغيره أن امرأة يومًا ما ولدته وجلست به لتحتضنه وترضعه ونسيت الدنيا لأجله، ونسي أن زوجته المتعلمة تركت كل شيء لأجل أولاده وبيته ثم اضطرت مرة أخرى لترك البيت لأجلهم للعمل والمساعدة في المصاريف، ولكن إنزال الآخرين بمنزلة النفس أصبح خلقًا ملائكيًا ومجتمعاتنا لا تسمح بوجودهم على الأرض! و ما دام الأفراد لا يحسون بالمسؤولية الاجتماعية العامة وليس لديهم ثقافة الحقوق والواجبات و يرون الالتزامات من طرف واحد وهم الآخذ الدائم فهذا يفاقم من تقصير الدولة في تفعيل قوانين حماية المعلمات، إن وجدت، والمعاقبة على الانتهاكات! ولا يبدو أن النقابات والمؤسسات الحقوقية تدافع عن منتسبيها كما يجب والمدارس الخاصة لا تقع تحت سلطتها! المدارس التي يجب أن تعلم أطفالنا مكارم الأخلاق والإحسان إلى الآخرين والإيثار والشعور الجمعي تعلمهم مبادئ نظرية يفرط بها من هم على رأس الهرم التعليمي فلا غرو أن منتجات التعليم عندنا في صناعة الإنسان والثقافة ليست أكثر من حرث في البحر! في الدول المتقدمة مهنة التعليم وكل ما يتعلق بالمعلم مقدس بل تعادل امتيازات المعلمين امتيازات الأطباء والمهندسين فالمعلمون في نظرهم هم رواد صناع المستقبل. ولكننا بدل أن نستثمر طاقات الخريجات الجدد وهمتهم و جدة المعلومات لديهم نستغلهم أقبح استغلال ونستغل حاجتهم إلى الوظيفة! فبأي نفس ستعلم مدرسة حرمتها المدرسة من أنوثتها وعضلتها أو حرمتها إذا كانت متزوجة من أمومتها؟! ومن سيبقى ليدرس بناتنا وأبناءنا في سن صغيرة عندما تعتزل المدرسات الإناث حقل التعليم لعدم القدرة على التوفيق بين المهنة المقدسة في التدريس والحياة المقدسة في الزواج والأسرة؟! كان يكتب على مدخل كل مدرسة في الأندلس" الدنيا تستند إلى أربعة أركان: علم الأفاضل وعدل الأكابر ودعاء الصالحين وجلال الشجعان" ولكن الأركان ضاعت فضاعت الأندلس وضعنا بعدها ولا استعادة للمجد العلمي والثقافي إلا باستعادة الأركان. ومع الشعارات البراقة التي ترفعها بعض المدارس الخاصة لتسويق بضاعتها فلتكشف صريحًا عن سياستها تجاه المعلمات وأن عقود العمل مربوطة بعقود العنوسة الإجبارية! فهل تدفع المدارس لهؤلاء المعلمات بدل عنوسة قصرية؟! وهل هناك تعويض يغني عن الحياة الطبيعية؟! درسي أو عنّسي أو تزوجي و فلسي هكذا نضع ورثة الأنبياء من المعلمات بين فكي الكماشة فأي خير ننتظر؟! د.ديمة طارق طهبوب