لا صوت يعلو في مصر أو الجزائر الآن فوق صوت المعركة، والمعركة هي التي ستدور بعد ثمانية وأربعين ساعة في الرابع عشر من نوفمبر على ارض استاد القاهرة الدولي بين الفريقين الكرويين لمصر والجزائر! وليت الموقعة تدور في مباراة يحصل الفائز فيها على كأس العالم لكرة القدم، وإنما هي معركة من أجل نيل شرف التأهل للمشاركة في مباريات بطولة كاس العالم، وحيث نكتفي دائما بشرف المشاركة أو التمثيل المشرف لأنه لا أمل لنا أكثر من ذلك، ولم نحصل في أي بطولة على ما هو أفضل من ذلك..! وهي موقعة خاسرة لطرفيها قبل أن تبدأ، فقد أخرجت أسوأ ما في جعبة الشعوب، وستترك أثارها الجارحة عالقة لفترة طويلة، فجروح السيف كما يقول العرب قد تبرأ أما جرح الكلمة فلا يبرأ أبدا..! وهي موقعة خاسرة أيضا لأنها تظهر حالة التردي والضعف الفكري الذي تعيشه الأمة العربية بأسرها بحيث أصبح الانتصار وعزف النشيد الوطني رهنا بأقدام اللاعبين، وبحيث أصبحت كرة القدم هي المشروع القومي لأي دولة الذي يفجر طاقاتها وسيساهم في تجميع مختلف طوائف الأمة، ويعيد مشاعر الولاء والانتماء..! ولهذا لم يكن غريبا أن تسخر كل الدول العربية بلا استثناء إمكانياتها ووسائل إعلامها من اجل كرة القدم وجماهير كرة القدم، إلى الحد الذي أصبح فيه معلقو ومحللو كرة القدم يتقاضون أجورا خيالية في بلاد يعاني سكانها من الفقر والبطالة حيث حصل المعلق الرياضي علاء صادق على سبيل المثال على عقد بمليون جنيه سنويا من التلفزيون المصري نظير التعليق على المباريات والإدلاء بدلوه في أداء الحكام وتقييمه للاعبين وشرح خطط اللعب، وهو اجر يزيد كثيرا عن رواتب فريق كامل يزيد عن عشرة أشخاص من الباحثين والعلماء وأساتذة الجامعات الذين يتقاضون أجورا ومكافآت هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع..! ولان كرة القدم في العالم العربي أصبحت هي أم السياسات وهي الشغل الشاغل للجماهير فان التركيز على فضائح نجومها وقضاياهم أصبح يمثل عنصرا أخر في عملية الهاء الجماهير بعيدا عن الاهتمامات السياسية والقرارات المصيرية، وأصبح الاهتمام مبالغا فيه على سبيل المثال في قضية مثل الصراع الدائر بين احمد شوبير والمحامي مرتضى منصور، فالأول كان حارسا للمرمى للنادي الأهلي وبعد اعتزاله دخل التعليق التلفزيوني الرياضي وصنف على انه من كبار الإعلاميين أيضا، والثاني محامي عرف بقضاياه الكثيرة وببقائه في دائرة الضوء من خلال المحاكم والتصريحات المثيرة بعد إخفاقه في انتخابات نادي الزمالك. ولأنها ملهاة لها أبعادها وقيمتها فان كل الأجهزة تسخر من اجلها، وتذهب قوات امن مجهزة جيدا وبإعداد لا حصر لها إلى الملاعب الرياضية في الوقت الذي لا يوجد به شرطي واحد في الكثير من المناطق العمرانية الجديدة التي يخشى سكانها الخروج من بيوتهم بعد حلول الظلام..! ولهذا تأتي موقعة الرابع عشر من نوفمبر لتبدو وكأنها أم المعارك، ولا يصدر في هذه المناسبة تحذير كما جرت العادة من وزير الصحة أو من مستشاره الإعلامي عن خطورة انتشار أنفلونزا الخنازير من خلال وجود هذه التجمعات الكبيرة للجماهير في الملعب.. ولا تحذير إلا من الهزيمة، ففي نظر البعض ستكون نكسة..ووكسة..وما يحدث على أية حال هو وكسة لنا جميعا..!