تتصرف الرئاسة ب "غشم"، ليس مع المعارضة فقط، بل مع حلفائها وأصدقائها أيضًا، والواضح أن هناك "غشيمًا" داخل الرئاسة يقف وراء المصائب التي تجلبها على نفسها بقرارات صدامية غير مدروسة منذ قرار إعادة مجلس الشعب المنحل، مرورًا بالإعلان الدستوري، وصولًا إلى طريقة إقالة خالد علم الدين مستشار الرئيس للبيئة والقيادي بحزب النور. الشواهد تتراكم لتعطي وجاهة لرأي من يقولون إن الرئاسة تدار من مكتب الإرشاد، وليس من قصر الاتحادية، وإن الرئيس محمد مرسي هو ممثل الإخوان في الرئاسة، وليس ممثل الشعب المصري، وإذا صح ذلك فسيكون هذا "الغشم" في القرارات والتصرفات مصدره هذا المكتب باعتباره تعود على العمل السري تحت الأرض، ولم يتعود على العمل المؤسسي في النور، وإدارة دولة كبيرة معقدة عميقة متنوعة سياسيًا وثقافيًا وفكريًا واجتماعيًا مثل مصر، وليس جماعة صغيرة مهما كان عدد منتسبيها. صرنا نضرب أخماسًا في أسداس بشأن الرئاسة، ومن يحكمها، ومن يديرها، ومن صاحب القرار فيها، هل هو الرئيس المنتخب، أم شخص آخر في مكتب الإرشاد، المرشد، أم نائبه، أم أن القرار يصدر ب"رابطة المعلم"؟. في كل ما تعيشه البلاد من كوارث خطيرة لا نجد حضورًا للرئيس، ولا قرارات عقلانية إنقاذية، والآن هناك عصيان مدني في بورسعيد يتسع وقد يشجع ذلك محافظات ووزارات وهيئات وجماعات أخرى على تلقف العصيان والمشاركة فيه لتصاب الحياة بالشلل التام لنكون هنا أمام طامة كبرى تهدد بشكل جدي أكثر من ذي قبل بالإطاحة بالرئيس الحاضر بالإدارة الغشيمة، والغائب عن الإدارة الرشيدة. إذا قلنا إن مرسي وجماعة الإخوان يتعاملان مع المعارضة من منظور ضيق مبعثه رؤية مبتسرة بأنها غير مؤثرة شعبيًا وانتخابيًا مثلًا، فما لا يمكن تجاوزه هو أن تكون ذات الرؤية الضيقة هي محل النظر للشعب بإهمال معاناته وعدم تحقيق ولو إنجازًا واحدًا في الملفات الخمسة التي وعد بحلها خلال مائة يوم من فوزه بالرئاسة، وقد مر أكثر من مائتي يوم دون حل ملف واحد منها، وأتصور أن في الإخفاق عن حل أزمات المواطنين ستكون فيه النهاية الانتخابية لهذا الرئيس ومعه الجماعة، حيث لن يجدا وراءهما جمهورًا من غير الإخوان يصوت لهما، كما سيجدان انفضاضًا من جمهور الإسلاميين، ومشكلتهما ستزداد تعقيدًا بعد الموقف الأخير ضد حزب النور فتلك الضربة الغشيمة موجهة لهذا الحزب أكثر من كونها موجهة لعلم الدين. أتابع تفاعلات الأزمة والمحصلة أن الرئاسة تخرج منها خاسرة مثل المعارك السابقة، بينما يخرج النور فائزًا كونه يظهر على أنه مستهدف من الإخوان عقابًا له على مواقفه السياسية الأخيرة المعتدلة والتوافقية والمنفتحة والداعية للتلاقي مع المعارضة وحل الأزمة السياسية كضرورة لحل الأزمات الأمنية والاقتصادية لإنقاذ البلاد علاوة على فضحه ممارسات في سوء الإدارة وإقصاء الخصوم السياسيين والجحود تجاه الأصدقاء وتزايد الأخونة. من مفارقات المشهد المصري أن النور يبدو مرنًا في حلبة السياسة الآن والمعروف عنه أنه يميل إلى التشدد، بينما يظهر الإخوان متشددين وهم يوصفون بأنهم أكثر تسييسًا وخبرة ومرونة، وهذا انقلاب في المعادلة السياسية ربما يعقبها انقلاب في المعادلة الانتخابية بأن يحل النور محل حزب الحرية والعدالة على رأس الفائزين في كتلة الإسلام السياسي ليقود هو هذه الكتلة ويتراجع الإخوان، وهذا وارد من سياق الأحداث خلال الفترة الأخيرة حيث يبتعد الشارع غير المسيس عن الإخوان، ومن سيرغب منه أن يظل وفيًا للإسلاميين فقد لا يجد أفضل من النور، وربما يكون في ذلك مصلحة وطنية بالتلاقي مع المعارضة، فالنور وصل إلى قناعة بأنه لا يمكن لفصيل واحد أن يقود البلاد في هذه المرحلة الحساسة، وهذا استنتاج مهم ومطمئن لكل المكونات السياسية والمجتمعية. إذا فقد الإخوان حزب النور كحليف، أو داعم، وهو الحزب الرئيس الثاني على الساحة حسب نتائج الانتخابات الأخيرة وتقف وراءه كتلة شعبية سلفية مؤثرة فمن سيتبقى لهم داخل الصف الإسلامي، علمًا بأن المعارضة بكل أطيافها ضدهم، كما أن كتلتهم الشعبية غير الإخوانية تتأكل. هل في هذا الوقت يسعى الإخوان لفقدان حزب النور، بينما هم بلا أصحاب كثر؟!. هل يحرق الإخوان أصابعهم بأنفسهم، أم أن لهم استراتيجية عميقة ستضمن التأييد الشعبي لهم دون الحاجة لأي تحالفات، أم ستضمن البقاء لهم في السلطة خصوصًا مع تصاعد الحديث عن الأخونة والذي صارت له مصداقية بعد شهادة النور وتحذيره منها حيث لم يعد هذا الاتهام نكاية من المعارضة، إنما هو صادر من أخ وحليف وشريك. نريد أن نفهم كيف تدار الرئاسة، فهذا حقنا على الرئيس المنتخب، وحقنا نحن من أعطيناه أصواتنا؟!. نريد أن نعرف هل هو من يحكم، وكيف لا يتعلم من أخطائه، أم أنه مجرد واجهة، وهناك من يحكمون نيابة عنه؟. أيها الرئيس.. أنت لا تصنع الفشل لنفسك فقط، بل إنك تدخل نفسك والبلد في دائرة الخطر، وهنا تصبح مصر وعدم سقوطها في الهاوية أهم من الرئيس حتى لو كان منتخبًا. [email protected]