وسائل الإعلام "البريئة" تركت مشاهد القتل والتخريب المتعمد للمنشآت العامة والخاصة، وتغاضت عن جيوش البلطجية الممولة من رموز النظام السابق وأسماء كبيرة هى فى حقيقتها لا تستطيع أن تفرقها عن رموز النظام السابق وإن كانت ظروف الثورة قد وضعتها على لائحة القوى الثورية.. تركت وسائل الإعلام كل هذا وتفرغت لعنف الإسلاميين المنتظر والمتوقع. فخليط قوى الثورة المضادة يمنى نفسه وبشدة دخول الإسلاميين على خط المواجهة والاغتيالات بحيث تتفجر الأوضاع الأمنية فى مصر إلى مايشبه الحرب الأهلية مما يدفع قوات الجيش للنزول للشارع والاستيلاء على الحكم وإنهاء حكم الإسلاميين وبالطبع فإن السيناريو لن يتوقف عند هذا الحد إذ بعدها – حسب تخيلهم - ستدخل مصر فى مرحلة " الجزأرة " نسبة إلى الجزائر وما حدث فيها فى تسعينيات القرن الماضى عندما تدخل الجيش الجزائرى وألغى نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات التى اكتسحتها جبهة الإنقاذ الجزائرية مما ترتب عليه دخول الجزائر فى نفق مظلم حصد أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء، هذه المرحلة تحديداً تخطط لها قوى إقليمية ودولية غير خافية على أحد بالتعاون مع اللوبى المتصهين داخل مصر لأنها ستؤدى إلى تفكيك الجيش المصرى على غرار ما حدث فى ليبيا وسوريا بحيث يصبح المنتصر الوحيد من ثورات الربيع العربى هو الكيان الإسرائيلى بعد أن تكون قد اختفت أقوى الجيوش العربية من أمامه العراق من قبل تحت وطأة الغزو الأمريكى والسورى بتأثير الحرب الأهلية ثم المصرى حسب المخطط الموضوع. لذا نشط اللوبى المتصهين بشدة فى الأيام القليلة الماضية فى التحليل والتنبؤ واستضافة "الخبراء" من أجل التأكيد على عودة عنف الإسلاميين قريباً وفجأة خرجت لنا ورقة مضروبة أسموها وثيقة الإرهاب قيل إنها تحوى أسماء إعلاميين مطلوب تصفيتهم جسدياً أمثال خيرى ومحمود سعد والجلاد والدمرداش وغيرهم، وفى مداخلة هاتفية سريعة أعلن مجدى الجلاد أن الست لميس وصلت إليها رسالة تهديد تقول لها "جهزى كفنك". هذا القصف الإعلامى المركز فى اتجاه توريط الإسلاميين يشبه ما يتم فى ميادين المعارك من حيث تهيئة مسرح العمليات لما هو آتٍ، فمما لاشك فيه أن جبهة الإنقاذ وحلفاءها باتوا يدركون جيداً أن شعبيتهم قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها بسبب تورطهم المباشر وغير المباشر فى أعمال العنف الدائرة فى الشارع المصرى منذ حوالى شهر وأن فرصتها فى الانتخابات القادمة تتضاءل يوما بعد الآخر خاصة مع نزوع كثير من قياداته للعمل النخبوى وليس الشعبى المعتمد على الالتحام مع الجماهير، فى الوقت الذى يبذل فيه الإسلاميون جهداً مضاعفاً للوصول إلى كل حى وقرية ونجع، لذا فإن المخطط الدائر الآن عدم السماح بالوصول لانتخابات مجلس النواب ومن ثم تشكيل حكومة جديدة وفق الدستور الجديد من حزب الأكثرية العددية. كل هذه العوامل تدفع قوى الثورة المضادة إلى محاولة توريط الإسلاميين فى دائرة العنف اعتماداً على مقدمات فاسدة مما يترتب عليه نتائج أكثر فساداً وهى آفة تلازم التيار العلمانى منذ تنحى مبارك وحتى والآن فهو تيار "بليد" ليس لديه إبداع للتفكير خارج الصندوق بل يعتمد على محاولة استنساخ الحلول السابقة بالرغم من عدم توفر ذات الشروط من حيث موازين القوى والظروف الداخلية والخارجية، كما أنه تيار عديم الحركة يحتاج إلى رافعة تعوض كسله وكانت الرافعة قبل ثورات الربيع العربى هى النظم الديكتاتورية وخسر كثيرا بفقدانها وغيابها. فعلى سبيل المثال ظل التيار العلمانى يمنى نفسه بعد تنحى مبارك بأن سيناريو 54 سيتكرر لا محالة بين العسكر والإخوان وقرأنا عشرات بل مئات المقالات يشعرك كاتبها أنه يكتبها من موقع المطلع على بواطن الأمور، ويؤكد لك أن الصدام قادم قادم لا محالة وأن سيناريو 54 بات أقرب إلينا من حبل الوريد ولما لم يحدث سقط فى أيديهم واتهموا المجلس العسكرى السابق بالتواطؤ مع الإخوان رغم أنه – وحسب شهادة أسامة هيكل فى كتابه الأخير – بذل المجلس العسكرى حينها جهوداً جبارة للحيلولة دون وصولهم للحكم. التيار الإسلامى بات اليوم أكثر وعياً ورشداً وإصراراً على الخيار الديمقراطى السلمى من كثير من النخب التى تدعى نسبتها للديمقراطية وهى ألصق ما تكون بالديكتاتورية وتوابعها رغم قدرة الإسلاميين على حشد الملايين وتجييش المجتمع خلفه. من يتحدث اليوم عن عنف الإسلاميين المنتظر عليه أن يجد لنا حلاً لعنف العلمانيين الحادث والواقع فلولا وجود التيار الإسلامى بعد فضل الله تعالى لتم تسليم البلاد تسليم مفتاح لأى ديكتاتور جديد وعلى يد نخبنا المثقفة المتعلمة فالنفس التى عاشت تتمرغ فى وحل العبودية من الصعب أن تقنعها بحياة الأحرار النظيفة. [email protected]