إن الثقافة المصرية التي مثّلت إلى عهد غير بعيد الحضور الوحيد في شاشاتنا الصغيرة والكبيرة ومناهجنا التعليمية (تيمور/ الزيات/العقاد/ المنفلوطي/المازني...) وصلت إلى مرحلة خطيرة من اجترار الذات، وبالتالي من الموت البطيء ليس على مستوى التسويق الثقافي بل على مستوى الثقافة المصرية في حدّ ذاتها فنحن، و إن حافظنا منذ زمن بعيد على هامش من الحرية نتمتع بها، نظرًا لأسبقية الكتابة والطباعة عندنا، فإن ما يصل إليه المثقفون المصريون ممنوع على الرواية الرسمية للأدب والسينما والمسرح، كما أن التقوقع الثقافي الشديد النابع من شعورنا بأفضليتنا على الشعوب الأخرى في مجال الثقافة جعلنا نهمل الثقافات الأخرى، ونغلق أبواب مسارحنا في وجوه البعض وصُحُفنا في وجوه البعض الآخر، بل أننا نمنع الأقليات المصرية من المشاركة في الثقافة الرسمية كالنوبيين ومثقفي الأرياف، وهذا ما يجعل الثقافة المصرية في تراجع كبير، وهذه المركزية الثقافية تعيدنا لا محالة إلى نهاية السلالة الفرعونية، فقد كان الملوك الفراعنة يحافظون على سلالتهم بزيجات محرّمة لكي لا يتداخل دم الرعية مع دم الملوك فكان مُباحًا زواجهم من الإخوة والأخوال والأعمام حين لا يتوفّر الشريك المناسب (أبناء الأخوال و الأعمام)... وحين فسد الدم الأزرق وكثرت فيه الأمراض، بسبب الزيجات المحرمة انتهت هذه السلالة وبقيت أهرامها شاهدة على وجودها، ولما كنا نحن أحفاد الفراعنة، مشدودين إلى ذلك الإرث العظيم فقد صنعنا ثقافة سادت قرابة القرن و لنفس السبب الذي أودى بالفراعنة نجد ثقافتنا المصرية ذاتها تتخبط في ذات المصير بعد أن كثرت أمراضها واستفحلت ولا إمكانية لتجديد دمائها، لأنها تُقصي لسبب أو لآخر كلّ آخر " يدّعي" امتلاك الثقافة، فلا يمكننا أن ننسى أن النموذج المصري للثقافة على مدى العقود السابقة قد قدم جملة من الأفكار"الشعبية" قامت على الصورة التقليدية للعائلة يحكمها الرجل، وتكتفي فيها المرأة بِدوْر تلبية الرغبات والإنجاب وخدمة الأسرة، إضافة إلى صورة سطحية للصراع الطبقي تقوم فيها المرأة بالدور التوفيقي/التلفيقي بين الطبقة الفاحشة الثراء، والطبقات المعدومة عن طريق الزواج، كما قدّم تأريخًا للمرحلة الناصرية، حيث حرب 6 أكتوبر، وبناء السد العالي، وتأميم قناة السويس، ومن خلال الغناء والسينما والتلفزيون.. وإذا تجاوزنا هذه المرحلة السابقة نجد أنفسنا أمام ثقافة المقاولات التي تتصدّرها السينما، والتي يغيب فيها شبح القيم تقريبًا من خلال طغيان شريحة الشباب على الشخصيات، وربّما لا يوجد بين الممثلين كهل واحد أو شخصية ترمز إلى السلطة أو القيادة، وكأن هذه السينما لا تحمل سوى محظور واحد هو المال أما الثالوث التقليدي للمحرّمات فقد صار مكشوفًا أ و مغطّى بغشاء من التمييع المقصود والملفق، إن الزمن في الغرب يتجه إلى المستقبل لكن العقلية "اللا غربية" تهتم بالماضي فيصبح الزمن دائريًا يعيد نفسه مثل الدورة الزراعية لدى الفلاح، إن المجتمع المصري بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد بعيدًا عن الاستقطاب بين الانتساب الديني والانتماء الوطني في المجتمع الذي نراه في حالة فوران وهذا الفوران يعد سببًا ونتيجة "للعجز عن إدارة التنوع والتعددية"، كما أن حالة الاستقطاب الديني - الوطني من أبرز التغيرات الطارئة على وطن كان يباهي بوحدة جماعته المصرية منذ القدم، ولا نستطيع أن نغفل دور التعليم، حيث إن التعليم في مصر مهمته الآن إعادة إنتاج الثقافة السائدة وعليه تقع مسئولية تكريس القيم السلبية "يلقن ولا يعلم شيئًا وتلك مأساة سهلت للإرهاب أن يجد مكانًا، ولدعوات الطائفية والتعصب أن تتصايح ويسهل التضليل ورواج أشرطة تتحدث عنن التكفير والهجرة ومعاقبة من لا يلبس النقاب. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]