كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة والنصف بعد منتصف الليل عندما جاءنى صوته عبر الهاتف يحمل مزيجًا من الأسى والحزن والغضب.. وقليلاً من اليأس.. «هل تذكرني؟ أنا د.نائل الشافعي».. فأجبته: طبعًا يا دكتور لقد تحدثنا مرتين أو ثلاثاً عندما فجرت قضية سرقة إسرائيل وقبرص للغاز المصرى من حقول تقع داخل المياه الإقليمية المصرية، وكتبت أحد أعمدتى عن هذا الموضوع وقتها.. أؤمر يا دكتور؟.. .. واصل الرجل حديثه وقد بدا صوته يتهدج غضبًا: «أتحدث إليك لأنك أول من كتب فى هذا الأمر مقالتين متتابعتين بعنوان «فضيحة.. أراتوستينس»، فى منتصف يونيه الماضي، وهو اسم الجبل السكندرى المدفون تحت البحر المتوسط، والذى يربط آبار الغاز فى مصر ولبنان وإسرائيل وقبرص وتركيا واليونان، ونقلت عنى وقتها أن إسرائيل وقبرص تستوليان على الغاز والنفط المصريين من حقول موجودة داخل المياه المصرية «الاقتصادية» من خلال حقل «أفروديت» القبرصي، وحقل «ليڤاثان» الإسرائيلى اللذين يحتويان على احتياطيات غاز تقدر ب200 مليار دولار، وأن مصر أيام المخلوع مبارك قد تنازلت عن حقها دون مبرر معلن، خاصة أن «المياه الاقتصادية» تم تحديدها ب200 كيلومتر، ويقع الحقلان على بعد 190 كيلومترا فقط من دمياط، فيما يقعان على بعد 235 كيلومترا من ميناء حيفا الإسرائيلي. توقف د.نائل الشافعى لالتقاط أنفاسه، فانتهزت الفرصة لأسأله: صحيح كلامك ولكن ماذا تم فى الموضوع؟ أجاب: هذا ما أتصل بك بشأنه، فقد حدث فيه العجب العجاب الذى أصابنى بالضيق والغضب.. واسمع يا سيدي.. ذهبت إلى مصر لمقابلة المسئولين، وأبدوا اهتماماً بالموضوع، ثم عدت إلى عملى فى أمريكا، حيث أملك شركة للاتصالات، وألقى المحاضرات فى أهم معهد تكنولوجى وهو معهد «ماساشوستس» للتكنولوجيا، كما أننى استشارى لهيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، وبعد سفرى فوجئت بهجوم من البعض على ما أثرته واتهامى بعدم الدقة، على الرغم من الخرائط الدقيقة التى زودت المسئولين بها، ثم كان تصريح وزير البترول السابق عبدالله غراب الذى قال إن حقل «إفروديت» خارج المياه الاقتصادية المصرية، فعدت مرة أخرى إلى مصر، وطلبت مقابلة الرئيس مرسي، فأحالونى إلى أشخاص آخرين، وبعد ضغط وجدل، اجتمعت مع أكثر من 40 شخصاً فى اجتماع حاسم، وفوجئت بأنهم أحضروا شخصًا فنيًا عرض خرائط على شاشة ليثبت أن الحقول خارج مياهنا، وعندما دققت فى الشركة العالمية التى أحضروا منها الخرائط وجدتها «إسرائيلية»!!.. نعم حكومتنا تعتمد فى نزاع مع إسرائيل بمئات المليارات على خرائط إسرائيلية!.. وطبعًا انتهى الاجتماع إلى لا شيء وعدت محبطًا مرة أخرى إلى أمريكا. وأنهى د.نائل الشافعي، العالم المصرى المهاجر، وأستاذ الجيولوجيا المتفرغ بجامعة أسيوط، والمحاضر بمعهد «ماساشوستس» الحريص على مصلحة بلده الأم كلامه بعبارة أدمت قلبى حقاً.. إذ قال: «تصدق أنه بعد انتهاء الاجتماع اقترب شخص تبدو عليه سمات الهيبة وهمس فى أذني: «بغض النظر عن صحة وجهة نظرك من عدمها، فإن مصر تمر بمرحلة لا تسمح لها بدخول صراعات إقليمية لاستعادة حقها».. وانتهى كلام د.الشافعي. والسؤال: هل حقاً أصبحت مصر بهذا الضعف والهوان، حتى أنها تعجز عن المطالبة بحقها فى مورد حباها الله إياه وتخشى الدخول فى مواجهة إقليمية مع قبرص وإسرائيل؟ أين خيار اللجوء للقضاء؟.. وأين المحاكم الدولية؟ وأين المحكمون الاقتصاديون؟ ومن وراء فضيحة الاستعانة بخرائط شركة إسرائيلية لإثبات حق اغتصبته إسرائيل؟! هل تترك حكومة مصر حقها؟.. وهل بلغ بنا الضعف أو الفساد أو كلاهما هذا المبلغ؟.. وهل سنترك أبناء مصر الشرفاء ليتحركوا فرادى دفاعاً عن حقوق بلدهم كما فعل السفير إبراهيم يسري، وكيل وزارة الخارجية الأسبق ود. إبراهيم زهران الخبير البترولى اللذان رفعا دعوى لإلغاء الاتفاقية «المريبة» التى وقعها نظام مبارك مع قبرص وإسرائيل سراً عام 2004 لترسيم الحدود البحرية وتستند إليها الدولتان فى الاستحواذ على حقول الغاز التى تقع فى مياهنا الاقتصادية؟ هل فعلاً قامت ثورة.. وتغير النظام الفاسد؟! أم ماذا؟.. وحفظ الله مصر وشعبها وخيراتها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66