لا يمكن وصف أو فهم السياق الذي جاءت فيه مسوّغات الحكومة الأردنية لتسمية سفير أردني جديد في"تل ابيب" بعد سنوات من الجفاء إلا على أساس أنها خدمة مجانية ل"إسرائيل" تساهم في فك عزلتها السياسية والدبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والدولي . التساؤلات تحيط بمغزى توقيت ودلالات الخطوة الأردنية في أكثر من اتجاه، فيما الاعتقاد الأكثر رواجاً أنه كان بإمكان الأردن إبقاء هذا المنصب شاغراً كورقة ضغط دبلوماسية في وجه التعنت والممارسات الإسرائيلية، على الأقل لحين بيان معالم حكومة أولمرت وحقيقة مشروعها الذي يستهدف الأردن ويضره بالدرجة الأولى قبل أي طرف آخر. بلا شك سنسمع كلاماً أردنياً معسولاً عن ضرورة وجود ذراع دبلوماسية أردنية للقيام بأدوار ومهمات لا يمكن القيام بها دون وجود تمثيل دبلوماسي، ولخدمة الصالح الفلسطيني على خير وجه، وكنا سنصدق هذا الكلام لو أن (10) سنوات مضت على معاهدة وادي عربة المشؤومة عادت على الأردن والأردنيين فضلاً عن الفلسطينيين بالنفع والفائدة. الحكومة الأردنية كانت قد اتخذت قراراً إيجابياً إبان انتفاضة الأقصى رداً على المجازر اليومية للإسرائيليين بحق الشعب الفلسطيني، وذلك بعدم إرسال سفير أردني إلى "تل أبيب". أما اليوم فتستعجل الأردن في ملء مقعد السفير في "تل أبيب"، فيما لا يقرأ أحد في هذا القرار إلاّ مبادرة أردنية مجانية لإنعاش العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" في توقيت سيّئ كان يتطلب تكثيف الجهود في الدور الأردني تجاه الشأن الفلسطيني الداخلي، وما يشهده من تصعيد وتوتر بين السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس والحكومة الفلسطينية. كما أنه كان الأولى والأجدر بالحكومة الأردنية الوصول إلى نتيجة ونهاية واضحة وطبيعية غير معلقة ومكتملة المشاهد لقضية "أسلحة حماس" قبل الشروع في ردّ فعل غير مدروس لما حدث من توتر في العلاقة مع "حماس". والكلام في هذا الشأن لا يغنينا عن القول إن أداء السفارة الأردنية في " تل أبيب" -على الرغم من عدم اعترافنا بشرعية العلاقات بين الطرفين- أداء ضعيف هزيل لم يحقق أي إنجاز أو مكسب للأردن حتى اللحظة، فيما هي"إسرائيل" الرابح والمستفيد الوحيد من علاقة الحب من طرف واحد هذه التي تجسد بحق طبيعة العلاقة الأردنية الإسرائيلية. فالأسرى الأردنيون في سجون الاحتلال قاطعوا قبل أيام سفارة بلادهم في"تل أبيب" متهمين إياها بالتقصير والعجز عن إنهاء معاناتهم. والتسخين المفاجئ في العلاقة الأردنية الإسرائيلية عبر قنوات دبلوماسية يتقاطع مع الحديث عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت إلى الأردن ودول عربية أخرى. كما يتقاطع مع توافق أردني مفسر ومفهوم للرأس الثاني في السلطة الفلسطينية ممثلاً بمحمود عباس وحركة فتح، وتفسير هذه التقاطعات والتجاذبات جميعها حديث يومي عن دور أردني قوي ومرتقب في الشأن الفلسطيني خاصة في ظل الهجمة والحصار ومحاولات الإفشال التي تتعرض لها حكومة حماس. وخلافا للموقف الشعبي الرافض لأي علاقة مع"إسرائيل" يبدو الحديث الأردني الرسمي عن مكاسب تتمثل بالنصر الإستراتيجي بعيد المدى، وإبعاد شبح الوطن البديل وترسيم الحدود ...الخ ضرباً من الهذيان؛ فالعلاقة مع "إسرائيل" مهما حاول البعض تزويقها وتجميلها شر مطلق المصدر : الاسلام اليوم