من يطالب بإقالة وزير الداخلية أو رئيس الحكومة مع كل حالة تعدٍ من جهاز الشرطة على المواطنين يرتكب – بقصد أو بدون قصد – خطأ منطقي سوف يجعلنا ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها. تفسير ذلك أنه يقدم دون أن يعلم – وقد يكون يعلم بس بيستهبل – "دليل المستخدم" للتخلص من كل من يحاول إصلاح ما أفسده النظام السابق في الأجهزة الحكومية، وأهمها بالطبع وزارة الداخلية، حينها سوف تترك الجماهير الفاعل الرئيسي وتتوجه بأصابع الاتهام للوزير المسؤول. نحن نتوقع بطبيعة الحال أن كل وزير داخلية يريد إصلاح هذه الوزارة الهامة، وتغيير ثقافة منسوبيها، لن يوافق هوى ومزاج الكثير من أفرادها على اختلاف رتبهم، لأنهم عاشوا جلّ حياتهم المهنية على إذلال الناس وامتهانهم، وفهموا أن علوَّ شأنهم يتناسب طرديًا معًا لتحقير من شأن المواطنين. لقد اختارت جموع المصريين يوم 25 يناير 2011 الموافق لعيد الشرطة للاحتشاد في مسيرات، تحولت فيما بعد لمظاهرات عارمة أسقطت النظام بأكمله، تعبيرًا منها عن رفضها الكامل لممارسات داخلية حبيب العادلي القمعية، والتي كان مقتل الشاب خالد سعيد ومن بعده سيد بلال تتويجًا لهذه الممارسات. لسنا بحاجة لمشهد المواطن حمادة صابر متمرغًا على الأرض مجردًا من ملابسه –مع رفضنا الكامل لذلك أيًا كانت جريمته - حتى نعلم أن الداخلية قد تحولت منذ عقود من جهاز للحفاظ على أمن المواطنين إلى جهاز لإرهابهم، ومن مظلة للحفاظ على الحقوق إلى آلة لانتزاعها من أصحابها، يمارسون ذلك باعتباره الوسيلة الناجعة لحماية كرسي الرئاسة. طيب... هل نغض الطرف عن هذه الممارسات وكأنه لم تقم لنا ثورة؟ بالطبع لا... ولكن يجب أن نعترف أولًا أن الخروج على القانون سوف يظل يحدث إلى قيام الساعة، من المواطنين ومن القائمين على تنفيذ القانون أنفسهم، وهذا يحدث في كل دول العالم. المهم هنا هو كيف تتم محاسبة الفاعل، خصوصًا إذا كان أحد المتهمين بمخالفة القانون مؤتمنًا على تطبيقه؟ هل يتجاهل الوزير ما حدث، ويراهن على ضعف ذاكرة المصريين، كما كان يحدث سابقًا، أم يعترف به، ويحيله للتحقيق؟ هل يقدَّم المتهمون لمحاكمة سرية وهمية لا نعرف تفاصيلها؟ أم يتم فتح تحقيق نزيه ومعلن للوصول إلى ملابسات الحادث؟ وفي حالة الإدانة: هل يتم نقل المسؤول لمكان آخر من باب "شد الودان"؟ أم يعاقب عقابًا عادلًا وحقيقيًا طبقًا لصريح القانون؟... إجابات هذه الأسئلة هي التي تحدد إذا ما كانت الثورة قد آتت أكُلها، أم أننا بحاجة فعلًا لثورة ثانية. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]