مابين الشجاعة والحماقة ، والحرية والوقاحة خيط رقيق يفصل بينهما ، وذلك الخيط نفسه هو ما يفصل بين الثورجي والبلطجي . فيما يشبه الحلم قامت ثورة يناير المجيدة ،،، بعد أن ضاق الناس بالفساد والمفسدين من رموز النظام السابق ، ولم يكن لأي فصيل أو حزب سياسي يد عليا أو فضل أو قيادة لهذه الثورة . ففي الوقت الذي خرجت فيه جموع الملايين للإطاحة برموز النظام السابق ، كانت كافة القوى والفصائل والأحزاب والحركات السياسية تعيش صدمة مما يقوم به شعب مصر العظيم. خرجت الجموع الغفيرة لتعلن على الملأ انها قادرة دون غيرها – من أصحاب الأطماع السياسية – على أن تغير تاريخ مصر الحديث ، ويسطر شباب مصر بدماؤهم صفحات ناصعة سوف يتوقف عندها التاريخ كثيراً .
فقد كانت مصر تعاني من كافة النواحي الإقتصادية والدستورية والصحية والأمنية والإجتماعية أشد معاناة . فاقتصادياً كان من أهم ما يميز الأداء الاقتصادي في عهد الرئيس السابق ارتفاع الدين الداخلي إلى 300 مليار جنيه بخلاف مديونية الهيئات الاقتصادية التي تبلغ 39 مليار جنيه. كما بلغ الدين الخارجي 27 مليار دولار وارتفاع قيمة الفوائد المحلية في الموازنة إلى 22.9، والفوائد الخارجية إلى 2.3 مليار جنيه، كما بلغت الاقساط المحلية 6.3 مليار جنيه، والاقساط الخارجية 2.5 مليار جنيه، وبلغ عبء الدين العام بنوعيه 34 مليار جنيه، بنسبة 26.7 في المائة من اجمالي الموازنة العامة للدولة بالتوازي مع وضع مصر في قائمة أكثر 25 دولة فسادا في تقرير البنك المركزي. خرجت جمع الشعب للثورة على التعديل الدستوري في انتخاب الرئيس – في عهد النظام البائد - الذي كان يمهد لتوريث الحكم ووأد كل قيادة حزبية أو شعبية يظهر لها الناس تعاطفاً ؛ تمهيداً للقفز بنجل الرئيس السابق على سدة الحكم . وصحياً خرجت الجماهير الغفيرة للثورة على انتشار أشد الأمراض فتكاً بالمواطنين في العصر الحديث ؛ حيث تحتل مصر المرتبة الأولى عالميا فى أمراض الكبد و السرطان والفشل الكلوى– وقانا الله واياكم شرهم المستطير –، إذ تضاعف السرطان فى عهد مبارك إلى ثمان مرات لتحتل مصر أعلى نسبة فى السرطان بالعالم، مائة ألف حالة جديدة على الأقل تصاب بالسرطان سنويا، سرطان الكبد يعد ثاني أنواع السرطانات شيوعاً في مصر، نصف الوفيات من المصريين في الأعمار ما بين 25 إلي 50 سنة ترجع للأمراض الفيروسية التي تصيب الكبد ومضاعفاتها ، عدد المصابين بالكبد بلغ 14 مليون مصري، 12 مليون مصرى مصابون بالكبد الوبائى (تقرير الجمعية الإفريقية لأمراض الكبد 2006)، 100 ألف حالة فشل كلوى سنويا، 12% من سكان مصر مصابون بالفيروس «C» ونسبة الإصابة في مصر بلغت نحو 4% علي مستوي العالم وتبقي المتوالية الهندسية فكلما زادت نسبة المواليد في مصر ستزيد نسبة ظهور مرض السرطان, ومن المتوقع انه خلال السنوات العشر القادمة سنشهد اعدادا كبيرة جدا من المصابين في مصر. وأمنياً كلنا يدرك مدى القمع الأمني الذي كان يعيشه جميع طبقات وفئات الشعب ، حتى وصل الأمر ذات يوم بسحل أحد المستشارين – المستشار محمود حمزة – ممن لهم حصانة قضائية ، والتي لم تحميه من بطش قوات أمن مبارك . وفتحت المعتقلات على مصراعيها وتمادى الأمن المصري في التجاوزات ، حتى كان يوم 6 يونيو 2010م ، حيث بطشت قوات الأمن بالشاب السكندري خالد سعيد والذي كان مقتله أحد أقوى أسباب قيام ثورة 25 يناير . ومن الناحية الإجتماعية حرص النظام السابق على إشاعة جو الفتنة والتوتر ما بين قطبي الأمة ، وتكللت تلك الفتن بقيام أجهزة مبارك الأمنية بتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ، لتأجيج نار الفتنة ما بين المسلمين والنصارى في سابقة لم يشهد لها العالم كله مثيلاً . وختاماً بقوله تعالى " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ " آثرت التذكير ببغيض من فيض من مآسي وآلام عشناها وعاصرناها طيلة ثلاثون عاماً ، ذقنا فيه ألواناً من العذاب، وفي ذكرى قيام الثورة ، وكي لا ننسى لماذا قامت الثورة ، تفاجئت مثل غيري بعودة شعارات تنادي بعودة الرئيس المخلوع وزبانيته ، وهو ما شكل صدمة للكثيرين ، إذ لو كان الأمر كذلك فلم قامت الثورة !!!!!!! ملايين علامات التعجب أبعث بها لمن ينادي بعودة النظام البائد ، ولا أدري أجهلاً أم ظلماً أم خيانةً للثورة ولدماء شهداء الثورة !!!!!!!!!!!!!!!! رجاءاً لا تعودوا بنا الى المربع صفر من جديد ، لا تجعلوا من مصر صومالاً جديداً أو لبناناً جديداً أو مالي جديد تأكله الحروب الأهلية ، وتتناحر فيه قوى الظلام طمعاً في مكاسب سياسية أو سلطوية . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]