شهدت الأيام الأخيرة في مصر متغيرات كبيرة يتوقع أن يكون لها أثرها وتداعياتها المختلفة على مجمل المعادلة السياسية في المنطقة عموما وفي داخل النظام المصري خصوصا، فقد أعلنت نتائج الاستفتاء التي كانت متوقعة، ورفضت "كفاية" نتائجها معتبرة بأن الإصلاح والتغيير لن يتوقفا على ضوء هذه النتيجة.. ولقراءة هذه المتغيرات وتحليلها أجرينا الحوار التالي مع المفكر والكاتب السياسي جمال سلطان، رئيس تحرير مجلة" المنار الجديد" وأحد الفاعلين في حركة "كفاية" ووكيل المؤسسين لحزب الإصلاح، وتتميز رؤية جمال سلطان بالقراءة الواقعية للمتغيرات المختلفة ووضعها جميعا ضمن خارطة التفاعل والتأثير المتبادل وإليكم هذا الحوار: * الحركة المصرية من أجل التغيير - كفاية- شعارها الأساسي: لا للتوريث.. لا للتمديد.. ألا ترى بأن مشروع هذه الحركة قاصر على جانب معين من الإشكالية السياسية المصرية المعقدة (الاستفتاء والانتخابات) أين الحركة من التحديات الكبرى التي تواجهها مصر؟ ** صحيح ما تقوله، فإن حركة"كفاية" مقتصرة على جانب معين حتى في الشأن السياسي الداخلي، ولكنه الجانب الذي يمثل مفتاحا للتغيير ومفتاحا للإصلاح، وهذا مهم جدا، لأنه ليس مطلوبا في هذه اللحظة أن تكون هناك حركة تتحدث في كل شيء لكنها لا تفيد في شيء محدد، إنما أن تركز جهدها على مفتاح التغيير ومفتاح الإصلاح هذا مصلحة مهمة. * في المقابل، هناك من يرى بأن حركة "كفاية" قد تشكل في المستقبل رافدا سياسيا مهما وجامعا من أجل الإصلاح والتغيير في مصر؟ ** لا، حركة "كفاية" ليست حركة مستقبلية ولكنها حركة لحظية، إنها آهة أمة وآهة شعب في لحظة تاريخية معينة، أراد أن يظهر غضبته وآلامه من تراكم الاستبداد وتراكم التهميش لقوى المجتمع، وهذا دور تاريخي ودور قصير جدا تؤديه حتى الآن بكفاءة. * "كفاية" حسب أدبياتها السياسية تدعو إلى العصيان السياسي ومقاطعة الانتخابات الرئاسية والاستفتاء. ألا تخشون من أن يكون هذا مدخلا على المدى القريب لمواجهة مباشرة مع النظام المصري؟ ** المواجهة مفتوحة وقائمة، وهناك اعتقالات ومداهمات وتحريض على العنف في الشوارع، ولكن أظن بأن الظروف المحلية والدولية الآن أصبحت تقدر قوى ناهضة وحية تبحث عن الإصلاح وعن مستقبل أفضل لبلادها وشعبها، أن تقوم في هذه اللحظة وأن تستثمر هذه الروح التي تلف العالم كله من أجل أن تصلح حال أمتها وشعبها. * ألا تتفق معي بأن المواجهة المفتوحة حاليا بين قيادة الإخوان والنظام المصري قد تكون الفرصة السانحة له من أجل وأد الجماعة سياسيا وغلق ملف الشرعية إلى الأبد؟ ** جماعة الإخوان المسلمين ليست حركة لحظية ولا سطحية وليست هامشا في تاريخ الحركة السياسية المصرية والعربية، وإنما هي حركة تاريخية لها عمقها ولها مكانتها، وقد ثبت في تاريخنا الحديث "استعصاء" الحركة على المحق وعلى الزوال رغم مواجهتها بأساليب قمعية شديدة جدا جدا، لذلك أعتقد أنه لا يمكن للنظام الحالي أن يلغيها بجرة قلم .. ربما يصيبها بالكثير من الأذى ويعطل الكثير من جهدها، ولكنها تستعصي على المحق والزوال كما ذكرت آنفا. أيضا هناك نقطة مهمة لابد أن أقولها هنا وهي أن الحساب السياسي لا يكون بحجم ما تقدمه من تضحيات وخسائر، وإنما يكون بحجم إصرارك على رسالتك وشفافيتك وتمسكك بمبادئك، حتى آخر لحظة وإخلاصك لقضية أمتك وتجردك لها. * مقاطعة الأحزاب مثل الناصري والغد والتجمع والوفد والإخوان الاستفتاء هل هو الحل الأنسب لمنع المادة ( 76 ) من المرور، علما بأن الحزب الوطني الحاكم يملك 90 % من مقاعد البرلمان؟ ** الحزب الوطني لا يمثل الأغلبية في الحقيقة، لأن الحزب الوطني لم يحصل إلا على 30 % فقط من الأصوات، وكل الذين انضموا إليه بعد ذلك انتخبهم الشعب المصري بوصفهم "مستقلين" وضد الحزب الوطني، ولذلك فهو حزب في الحقيقة يصلح أن يقال عنه إنه حزب أقلية، الأحزاب الأخرى التي ذكرتها كان معظمها يحتفظ بآمال في أن يكون هناك انفراج وليونة في مواقف الحزب الوطني الحاكم تجاه قضية الإصلاح، ولكن عندما يئسوا من ذلك اتخذوا موقفهم هذا الصارم والمشرف، لأن أي موقف آخر سيتخذونه الآن سيكون نقطة سوداء في تاريخهم السياسي. * نتائج الاستفتاء لم تظهر بعد، لكن كل التحاليل وآراء المراقبين السياسيين تذهب في مجملها إلى أن الحزب الحاكم قد يفوز بالأغلبية.. توقعاتكم؟ وماذا بعد ظهور النتائج؟ ** ينبغي أن نثبت الآن ونحن نتحدث أنني أتكلم ولم تظهر بعد نتائج الاستفتاء، وفي اعتقادي أن النتائج ستكون مزورة بدرجة أو أخرى، ولكن القضية الآن ماهي درجة التزوير الذي سيتم، لأنه سيعطي مؤشرا على الوجهة المستقبلية التي يتجه إليها النظام السياسي المصري، وبالتالي هل سيتجه إلى وجهة فيها قدر من العقلانية والوسطية حتى في التزوير مع الأسف!! أم أنه سيغالي ويصادم ويعاند ويكابر ويعطي النسب التي تتجاوز 90 %، رغم أن كل العالم رأى أن الإقبال كان ضعيفا. ننتظر ونرى، نحن نتمنى أن يكون هناك عقل وحكمة وأن تكون هناك المبادرات من داخلنا ومن أنفسنا لكي نتعاون على إصلاح بلادنا وأحوالنا بدلا من الصدام والعناد.. * الولاياتالمتحدةالأمريكية تراقب الوضع المصري عن كثب.. هل حدث اتصال مباشر أو غير مباشر معكم في حركة كفاية؟ ** حركة كفاية ليس لها اتصال في هذا الشأن، بحكم أن تركيبها متنوعة، فيها الكثير من الإسلاميين الراديكاليين واليساريين والشيوعيين، فتكوينها لا يستقيم مع أي علاقة أو تنسيق أو حتى تجاوب مع أي آراء أمريكية، إن مواقفها ضد التوجهات الأمريكية تقريبا على طول الخط، والحقيقة هذا ما جعل لها مصداقية كبيرة جدا وعفوية جعلها تحظى باحترام الجميع حتى من لم ينظم إليها. * جمال سلطان وكيل المؤسسين لحزب الإصلاح.. أين وصل ملف الحزب ؟ وماذا يمثل من رؤى وأطروحات مع ما هو موجود حاليا في الساحة السياسية المصرية؟ ** مشروع حزب الإصلاح السياسي مازال قائما من الناحية السياسية والفكرية، ومن ناحية إرادة القائمين عليه، ولكنه من الناحية القانونية والإدارية تم رفضه، لكن الجهة الإدارية التي رفضته جهة غير شرعية وباطلة، والجهة القانونية أيضا التي رفضته جهة لا يمكن أن ننسبها إلى العدالة والقانون بالمفهوم الصحيح، لأنها أشبه بلجنة إدارية وليست كلها من القضاة وإنما فيها من الشخصيات العامة، لذلك لا نستطيع أن نقول بأن القضاء هو الذي رفض.. وأعتقد بأن مشروع حزب الإصلاح كغيره من مشاريع أحزاب الشريعة والوسط أنها مشروعات ما زالت قائمة ولكنها مرتهنة بالإصلاح السياسي الشامل للخريطة السياسية بمصر. * حدث تقارب استراتيجي أخيرا بين بعض القيادات الإسلامية " الجهادية" أو "الثورية" أو "المعادية" للنفوذ الأمريكي في العالم التي كانت ومازالت تنعت بالإرهاب وشخصيات أمريكية بارزة ونافذة، ألا توافقني بأن أمريكا تبحث الآن في موجة دعوتها إلى الإصلاح والديمقراطية إلى شريك إسلامي "مودرن" مقبول تسويقه أمريكيا وعربيا ودوليا؟. ** الولاياتالمتحدةالأمريكية كإمبراطورية ضخمة تبحث عن مصالحها، لا تستطيع أن تلومها لأنها كدولة تبحث عن مصالحها، لأننا أيضا نبحث عن مصالحنا، نحن من حقنا أن نرفض مصالح هذه إذا كانت لا تتوافق مع مصالحنا، ومن حقنا أيضا أن نقبل ببعض هذه الأشياء إذا كانت متوافقة أو لا تتصادم مع مصالحنا، ولذلك أنا أعتقد أن ما تشير إليه مثلا من أن ممثلين من حركة "حماس" أو جماعة حزب الله والجهاد الإسلامي وغيرهم هو نوع من الاستكشاف السياسي لما يفكرون فيه، لأن أمريكا حاضرة في العالم من حولنا وحاضرة في داخل بلادنا، ولا أرى حرجا في ما فعله إخواننا في "حماس" أو "الجهاد الإسلامي" أو غيرهم، وإن كنت أدعو إلى اليقظة والحذر الشديد لأن دائما في لعبة الحوار السياسي أو إذا وصل إلى الشراكة السياسية دائما الكبير يستلذ الصغير ولا تكون المعادلة غالبا لصالح الصغير.ملاحظة: أجري الحوار ساعات قبل ظهور نتائج الاستفتاء بساعات.