بدت الأوضاع في مدينة بورسعيد الاستراتيجية وكأنها هدأت جزئيا بعد تولي الجيش تأمين المدينة التي شهدت اشتباكات الشرطة مع الأهالي، الذين بدأوا الاستعداد لتشييع ضحايا الأمس، لكن النار لم تلبث أن اشتعلت من بين الرماد، لتكشف أنها لم تكن خمدت بالأساس، وأن حالة عميقة من السخط تضرب جذورها في المدينة. ومعالم السخط التي باتت تٌغلف تاريخ المدينة التي تشتهر باسم "الباسلة" وتعد ثالث مدن مصر اقتصاديا بعد القاهرة والإسكندرية، والواقعة على المدخل الشمالي لقناة السويس بعدد سكان يفوق 600 ألف نسمة متعددة. فمن اعتداء نوعي لم تشهده المدينة من قبل استهدف محتجون قوات الجيش ومنشآته بخلاف الاشتباكات التي صارت معتادة مع الشرطة، إلى هتافات بمسيرة اليوم الجنائزية ضد رأس النظام والداخلية وجماعة الإخوان المسلمين، وحتى التطرف إلى دعوات انتشرت بشكل واسع للاستقلال عن القاهرة التي اعتبروها متحيزة ضدهم. واعتبر أهالي بورسعيد أن مدينتهم وحدها هي التي دوما "تدفع ضريبة الدم"، منذ تصديها للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ووقوعها في مرمى النيران الإسرائيلية خلال عام 1967، وحتى تعرض أهل المدينة "الحرة" التجارية لتضييقات كبيرة على أرزاقهم عقب ما قيل عن محاولة اغتيال تعرض لها الرئيس المصري السابق حسني مبارك بالمدينة عام 1999. لكن رغم ذلك لم يكتف البعض بالسخط الشعبي المشتعل بالأساس، وإنما سعى لصب مزيد من الزيت على النار. فرغم غياب الشرطة عن المدينة بشكل كبير، وتولي الجيش مسؤولية الأمن بها إلا أن رصاصات طائشة انطلقت بمحيط مقر نادي شرطة بورسعيد، صوب مسيرة شارك بها عشرات الآلاف لتشييع ضحايا أحداث الأمس، كانت كفيلة بتوجيه اتهامات جديدة للأمن وإثارة المشاعر، التي لم تهدأ ضده. الرصاصات نسبها عدد من المشيعين إلى الشرطة، معتقدين أن الأمن هو من استهدفهم ولم يراع حرمة الجنازة، بينما ردت وزارة الداخلية، بشكل عاجل، في بيان تتبرأ خلاله من مسؤولية ذلك الحادث وتنفي ما قيل عن استهداف المشاركين في المسيرة الجنائزية بقنابل غاز، وتؤكد عدم وجود أي عناصر أمنية بمسار الجنازة. الأحداث التي تزايدت حدتها بالمدينة بعد حكم قضائي ظهر أمس السبت بإعدام 21 من أبنائها لإدانتهم بما عرف إعلاميا ب" أحداث استاد بورسعيد"، وخلفت حتى مساء اليوم الأحد 37 قتيلا ومئات المصابين، كانت ذروتها خلال محاولة اقتحام سجن بورسعيد المركزي المحتجز به عدد من المتهمين بهذه القضية، والاشتباك مع قوات الأمن. الحكم أثار سخط أهالي المدينة أكثر وحرك الدعوات حول التمييز الذي يعتبرون أنهم يواجهونه، وخرجت رابطة مشجعي كرة القدم "الأُلتراس" لنادي المصري صاحب الشعبية الجارفة بمدينة بورسعيد والمعروفة باسم "جرين إيجلز" لتعمق هذا الشعور. علقت الرابطة على الحكم عبر صفحتها على الإنترنت قائلة إن "بورسعيد اليوم تدفع ثمن نجاة مصر من أحداث عنف محققة في باقي أنحاء الجمهورية، وقد قدر الله أن تكون بورسعيد فقط هي التي تشتعل". الوقائع على الأرض كانت تساهم وبشدة في دفع أهالي المدينة نحو هذا الاتجاه الساخط فالاعتداء الذي تعرض له المشيعون أسقط قتيلا وعشرات المصابين، فيما سقط أربعة قتلى آخرين اليوم في مواجهات مع الجيش والشرطة خلال محاولة اقتحام قسم شرطة "العرب" بالمدينة. وفي مواقع عدة كانت تدور اشتباكات مع عناصر الامن من جيش وشرطة واعتداءات عليها. بعض شهود العيان ذكروا لمراسل وكالة الأناضول للأنباء أنهم شاهدوا مجموعات ملثمة تطلق النار على قوات الأمن في ميدان نادي ضباط الشرطة ببورسعيد، خلال تشييع جنازة 29 من ضحايا أحداث العنف الاحتجاجي التي اندلعت في المدينة أمس. وفي الوقت الذي لم يعرف بدقة مصدر إطلاق القنابل أو الأعيرة النارية، رجح مصدر عسكري في تصريحات للأناضول أن تكون "مجموعات من المحتجين الذين اقتحموا أقسام شرطة أمس قد حصلوا على أسلحة وقنابل مسيلة للدموع واستخدموها في إشعال الموقف خلال الجنازة اليوم". وبينما ذكر مصدر عسكري للأناضول أن تعزيزات عسكرية في طريقها إلى قوات الجيش المتمركزة ببورسعيد لدعمها، خاصة مع تواتر تقارير عن بقاء الجيش بالمدينة حتى موعد الحكم النهائي بقضية "استاد بورسعيد" في 9 مارس/آذار المقبل، تعرض الجيش لاعتداءات جديدة نوعيا من قبل أهل المدينة الذين لم يحتكوا بقوات الجيش في مناسبات سابقة، وإنما اقتصرت على قوات الشرطة ومنشآتها. وحطم محتجون في المدينة اليوم عددا من السيارات وواجهات فندق تابع للجيش المصري، بحسب ما ذكره شهود عيان للأناضول، كما حاولوا إشعال النار في قاعة أفراح تابعة للفندق ذاته، وأفاد مراسل وكالة الأناضول للأنباء بأن مجهولين قاموا بإشعال النيران في منتجع مخصص لضباط القوات المسلحة على ساحل البحر المتوسط.