لاشك فى أن أمن واستقرار دولة الإمارات حكومة وشعبًا هو جزء لا يتجزأ من أمن منطقة الخليج والعرب، وأن أى تهديد للأمن القومى الإماراتى إنما هو تهديد للأمة العربية.. والحب المتبادل بين الشعب المصرى والإماراتى محفور فى القلب مسجل فى صفحات التاريخ، ولتنشيط ذاكرتنا العربية أذكر بالمواقف البطولية والقرار التاريخى للشيخ زايد بدعم مصر وسوريا فى حربها مع العدو الصهيونى حتى آخر فلس فى خزينة الإمارات، وقد فعل، ومازلنا نذكر مقولته الشهيرة ليس المال والنفط أغلى من الدم العربى الذى اختلط على جبهات القتال فى مصر وسوريا. هذه هى الإمارات التى حفرت فى ذاكرتنا المصرية والعربية، والتى لا يجب أن نذكر غيرها. ولا شك فى أن الإمارات شعبًا وحكومة هى فى سويداء قلب كل مصرى، مصر الكبيرة تاريخاً وشعباً وثقافة وقوة، مصر الأم لكل عربى، والتى تحمل حباً وهماً خاصة للإمارات الحبيبة خاصة عندما تقع تحت التهديد الإيرانى بما يحمله من أبعاد سياسية وأيديولوجية، وقد تعدى بالفعل واستقطع جزءًا من أرضها الطاهرة حين أقدمت إيران فى 30 نوفمبر عام 1971 على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث الكبرى والصغرى وأبو موسى فالإمارات بذلك أكثر وأقرب حبًا لمصر من بقية الدول العربية بحكم أن أحب أبناء الأم إليها الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والغائب حتى يعود. ولاشك فى أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، ولن تنسحب إيران إلا بالقوة، وبربيعنا العربى الزاهر وبعودة مصر إلى موقعها على خارطة القوة الإقليمية والعالمية استبشرنا خيراً وقلنا سيرحل الإيرانيون ونحتفل جميعاً بتحرير كامل ترابنا العربى فى الإمارات وأنه لقريب إن شاء الله وإن لم تحركه قوة السياسة حركته قوة السلاح. هذا الأمر ليس من قبيل المزايدة أو طرح فرضية أو نظرية أمن سياسى إنما هو أكبر من ذلك بكثير إنها حقيقة دينية، وواقع جغرافى وسياسى حين تمثل عمان والإمارات والبحرين وقطر والكويت ومن خلفها المملكة العربية السعودية حائط الصد المباشر للتهديد الإيرانى. خيارات الإمارات أتفهم القلق والخوف الاستراتيجى لصانعى القرار فى الإمارات من التهديد الإيرانى خاصة بعد تمددها فى العراق، ولكن هذا لا يعنى بأى حال من الأحوال أن توجه البوصلة الإماراتية نحو الاستقواء بأعداء الأمة من خارجها، بأمريكا وإسرائيل ومن داخلها برجال أجهزة أمن الدولة من أطلال وفلول الأنظمة العربية الاستبدادية السابقة. وقد أثبتت تجارب التاريخ الحديث أن الاستقواء بالغير خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية رهان خاسر بكل المقاييس على مستوى التكلفة الباهظة التى تدفع، وعلى مستوى ثبات المواقف الأمريكية التى ما تلبث أن تغير مواقفها التكتيكية والاستراتيجية لأجل تحقيق مكاسب هنا أو هناك ( راجع تغير المواقف الأمريكية مع حلفائها فى أمريكا الجنوبية، والبلدان العربية مع لبنان بعد حرب تموز 2006 ، ومع نظام مبارك والقذافى ومع الأسد فى سوريا)، ومن البديهى أن تستخدم الولاياتالمتحدة ورقة الإمارات كإحدى الأوراق التفاوضية مع إيران الطامحة فى أداء دور إقليمى لا تمانع فيه أن تكون تحت الوصايا الأمريكية ولو مؤقتا، فى جميع الأحوال هو تمدد إيرانى على حساب العرب وخاصة دول الخليج صغيرة الحجم قليلة العدد والعدة عظيمة الثروات. كما أن سنن وقوانين الحياة الثابتة تؤكد أن الأمم تؤسس وتقوم وتنهض برجالها وقادتها وحسن إدارتها لإمكاناتها الذاتية، وصناعة أدوات قوة وفعل خاصة بها. الخيار الطبيعى والوحيد للإمارات هو أن ترتمى فى أحضان أمتها العربية وتضع يدها فى يد العرب وعلى رأسهم مصر وأن تعيش عصرها وتدرك أبعاده جيدًا، وتقر وتتعايش مع دبلوماسية الشعوب التى فرضت نفسها لتأتى بمن تشأ ليحكمها، وأن تضع يدها فى يد مَن اختارته الشعوب العربية فى مصر وتونس وليبيا واليمن وإن شاء الله قريباً فى سوريا. لتخطط معهم جميعاً لمستقبل عربى موحد قوى تتكامل فيه الموارد والإمكانيات لتؤسس لقوة عربية اقتصادية وسياسية موحدة قادرة على التعاطى مع القوى الإقليمية، والعالمية بما تحفظ لشعوبها الأمن والاستقرار. حقيقة أزمة الإمارات مع مصر حقيقة الأزمة أنها أزمة مع نظام الحكم فى مصر وليست مع شعب مصر ولكن ساسة الإمارات يتناسون أن هذا النظام جاء به الشعب المصرى، ومن ثم ستتحول أزمتهم مع الشعب المصرى بل والشعب العربى بأسره. بداية الأمر أتفهم حجم الخوف والهلع الذى يمكن أن يرسمه رجال أمن الدولة من أطلال النظام السابق فى نفوس حكام الإمارات من الإخوان ومن صعودهم للسلطة، وبالتأكيد سيستخدمون ما لديهم من أسرار مزعومة، وملفات كاذبة ربما نقلت من لاظوغلى مباشرة إلى دبى، فقد خبرهم العالم على مدار ثمانين عامًا يشوهون صورة الإخوان ويرعبون الحكام والشعوب منهم، ويختلقون القصص والأكاذيب لإرهاب الحكام منهم ليكسبوا لأنفسهم شيئاً من صلاحية الوجود لحماية الحكام من الإخوان، وقد خابت وفشلت كل خططهم، وقد ورطوا حكامهم المستبدين، وفشلت خططهم أيضًا مع الشعوب الذين أصروا على اختيار الإخوان ليحملوهم مسئولية المرحلة. فهل لحكام الإمارات أن يتعظوا ويتعلموا الدرس، ألم تكفهم مشاهد النهاية المؤلمة لأربعة قادة عرب صالوا وجالوا على مدار ما يقارب النصف قرن ثم انتهوا إلى ما انتهوا إليه. وللحديث بقية بإذن الله