كنت أسأل كثيرا عن السبب الذي يمكن للمعارضة أن تسوق به تراخيها في الالتفاف حول حركة القضاة الساعية إلى استقلال القضاء وضمان الإشراف الكامل على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولكني أعترف أنني لم أعثر إلى الآن على إجابة شافية!! كنت أقول لعل الفرصة ضاعت ولكن الأيام تثبت كل يوم إصرار القضاة على مطالبهم ما يبقي الفرصة قائمة أمام كل جاد في التضامن مع هذه المطالب.. آخر مظاهر إصرار القضاة ما جاء في الإعلان عن رفض عدد من مستشاري محكمة النقض صرف مكافآت الإشراف على الاستفتاء على تعديل المادة "76" من الدستور الذي أجري يوم "25" مايو الماضي، وهو الإعلان الذي رأت فيه جريدة الوفد عن حق "صفعة جديدة على وجه الحكومة تكشف بطلان إجراءات الاستفتاء على تعديل الدستور!! أكد المستشارون أنهم لم يشاركوا في عملية الإشراف سواء أصلياً أو احتياطياً، ولم تسند إليهم أية أعمال خاصة بالإشراف على عملية الاستفتاء، ولذلك رفضوا أن يقبضوا أموالا مقابل عمل لم يقوموا به!! ومن قبيل درء الشبهات يبحث القضاة الآن إمكانية التبرع بهذه المبالغ لإحدى الجمعيات الخيرية أو إعادتها إلى المحكمة أو التبرع بها لموازنة نادي القضاة. البداية جاءت مع المذكرة التي قدمها المستشار مصطفى أحمد نائب رئيس محكمة النقض، والذي كشف فيها عن صورية الإشراف القضائي على الاستفتاء وأكد أن النتائج التي أعلنت غير حقيقة، كما اعتبر المكافأة رشوة يرفض قبولها. ولائحة الشرف الوطنية تضم آخرين كانوا قد رفضوا الاشتراك في عملية الاستفتاء أصلا وقالوا أنه لا جدوى من الإشراف القضائي بالصورة التي يريدها الرئيس وحزبه.. ولا أعر ف حتى الآن سببا مفهوما لعدم إيلاء مثل هذه المواقف النبيلة الاهتمام الواجب من قبل قوى وأحزاب المعارضة؟ كنت أتمنى أن تضبط القوى الساعية إلى التغيير في مصر حركتها على الإيقاع الذي عزفته الجمعية العمومية لنادي القضاة، وكنت أتصور أن هذه القوى ستلتف حول مطالب القضاة في تمكينهم من الإشراف الكامل على الانتخابات وأنها ستتنادى من أجل التضامن الفاعل مع مطالبة القضاة بتوفير كل الضمانات اللازمة لاستقلال حقيقي للقضاء ضمانا لإخراج السلطة القضائية من جعبة السلطة التنفيذية.. كان الواجب يقتضي أن تقيم المعارضة – لو أنها جادة – الدنيا ولا تقعدها بعد التقارير التي كشف فيها القضاة المخالفات الخطيرة التي قامت بها السلطة التنفيذية والإدارات المحلية في عملية الاستفتاء الهزلية التي أجريت على تعديل المادة 76 من الدستور؟ لقد أثبت القضاة في تقاريرهم التلاعب في صناديق الاقتراع في اللجان التي أشرف عليها الموظفون وأكدت تلك التقارير أن اللجان الفرعية التي أشرف عليها القضاة شهدت إقبالاً ضعيفاً جداً من المواطنين، وكان ذلك كفيلا بأن تقوم المعارضة بفضح مسرحية الاستفتاء على أوسع نطاق في الداخل وفي الخارج.. والأمر لا يحتاج من المعارضة إلا الانتباه إلى إمكانية إسقاط مهزلة الاستفتاء وكل ما يترتب عليه من نتائج.. قد تكون بداية إسقاط نتائج الاستفتاء أن نقتنع جميعا أننا قادرون على ذلك، وقد تكون الخطوة التالية أمام المحاكم، ولكن الخطوة الأهم في نظري تكمن في الحركة على الأرض بهدف إسقاط الاستفتاء ونتائجة.. من الممكن أن تجمع المعارضة على مقاطعة مسرحية الانتخابات المراد لها أن تبيض وجه النظام الديكتاتوري أمام حلفائه في الخارج.. من الواجب أن تقاطع المعارضة رشاوى الرئيس وحزبه التي بدأت تنهمر على المعارضين الذين يبدون استعدادا للترشيح..؟ ليس أمام المعارضة الجادة إلا مقاطعة الانتخابات التي ترتبت على استفتاء باطل من وجوه عدة..ولابد أن تشمل المقاطعة الترشيح والانتخاب حتى تظهر المهزلة على حقيقتها أمام العالم.. ومن الممكن إعلان المعارضة تأييدها لقرار القضاة بعدم الإشراف على الانتخابات حتى تنزع من نظام الرئيس وحزبه ورقة التوت التي تستر عوراته.. ومن الضروي أن تتكاتف كل الجهود المخلصة من أجل وضع حد للمأساة التي يعيشها الوطن في ظل قيادة الرئيس وحزبه.. فهل يفعلون؟ [email protected]