أصدرت الجهات الأمنية فى مصر منذ عدة اسابيع قرارا طائشا مثيرا للضحك موغلا فى السخرية بعقول المصريين .. يقضي بضرورة عرض سكينة المطبخ على جهات البحث الجنائي .. لتحديد مدى خطورتها كسلاح على الأمن العام .. وهو الذى يعني ضمنيا منع استيرادها نهائيا .. حيث تخرج نتيجة البحث الجنائي على النحو الآتي .. سكينة مطبخ يمكن استخدامها فى التعدي على الغير ؟؟؟ .. وخطورة هذا الفرمان الذى يذكرنا بعهد قراقوش الذى كان يمنع ويحرم ما احله الله من بعض الأطعمة والأشربة دون مبرر مقبول ولا معقول .. أنه يعبر عن اسلوب تفكير مختل لنظام حكم بأكمله .. كما يعبر عن عقلية سياسية وأمنية مريضة .. وفوق هذا وذاك فإنه يعبر عن فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية شاملة تعيشها مصر منذ زمن الإنفتاح . يااااه .. كل هذا من أجل قرار أمني بتحريم استيراد سكينة المطبخ وبالتالى تجريم استخدامها ؟؟ اقول نعم واكثر من ذلك .. فلا يخلو بيت مصري .. بل لايخلو بيت فى العالم كله من سكينة المطبخ التى تعتبر من الأدوات التقليدية على مدار التاريخ البشري كله ولايمكن لأى بيت أو أى مطبخ أن يستغني عن تلك الأداة فى القيام بأعمال الطهي .. وبالتالي يصبح اصدار مثل هذا القرار الطائش نوعا من الإختلال العقلي لدى بعض المسئولين لاسيما بعض القائمين على جهاز أمن أكبر دولة عربية .. لأن منع استيراد سكينة مطبخ بحجة كونها اداة يمكن الإعتداء بها على الغير .. ينسحب إلى أشياء كثيرة أخرى يستخدمها الإنسان فى حياته العادية .. مثل كوب زجاجي أو رجل كرسي أو مقص حياكة .. أو ادوات مهنية تتعلق بالعديد من المهن كالنجارة والسباكة والكهرباء والحلاقة وماشابه ذلك .. فكل هذه الأدوات يمكن الإعتداء بها على الغير واحداث اصابه بل وقتله أيضا .. فهل ننتظر من صاحب هذا القرار العبقري تحريم كل هذه الأدوات .. أليس هذا شيئا مثيرا للسخرية حقا ؟؟ ليس هذا فحسب .. بل الأخطر من ذلك أن اصدار مثل هذا االقرار من شأنه أن يتحول هو نفسه إلى سكين حاد تذبح به الأجهزة الأمنية كل معارضيها .. باعتبار أن الكل يمتلك فى بيته العديد من هذه الأسلحة الفتاكة .. أقصد العديد من سكاكين المطبخ .. وبالتالى فالكل أغلبية ومعارضة يقع تحت طائلة القانون باعتبار أنهم يحرزون أسلحة ممنوعة .. وأدوات يمكن الإعتداء بها على الغير .. وبالتأكيد سيتم تطبيق هذا التجريم على المعارضين للنظام فقط فى الوقت المناسب .. ولا عجب والله فى ذلك .. إذا علمنا أن حيازة كتب دينية تباع فى كل مكان .. جريمة وأدلة إدانة واتهام .. وهكذا يضع النظام سكينه الحاد على رقبة كل مصري ومصرية بمثل هذا القرار الطائش الذى يستحق اوصاف اخرى لاتليق بهذا المكان ؟؟ أما النظرة الأعمق والأوسع لخطورة مثل هذا القرار الطائش .. أنه يعبر عن حالة مرضية ربما يختص بها نظام الحكم فى مصر من دون دول العالم أجمع .. تعبر عن حالة الفوضى الشاملة التى اشرت إليها فى بداية المقال .. فأى مسئول يستطيع أن يصدر أى قرار وبشكل عشوائي ودون النظر إلى الأثار المترتبة عليه سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو دينيا .. ودون احترام للقانون .. ففى حالة القرار الأخير بمنع وتجريم استخدام سكينة المطبخ العادية والذى تحدثنا عنه بشىء من التفصيل .. هناك مخالفة صارخة لقانون الأسلحة والذخائر الذى يحدد الأنواع التى يحرم استيرادها والتى ليس من بينها بطبيعة الحال هذا النوع من االسكاكين العادية التى يستخدمها الخلق من آدم عليه السلام وحتى يومنا هذا .. وذلك لأن واضع القانون ليس جاهلا إلى حد تحريم وتجريم استيراد واستخدام سكينة المطبخ العادية .. وانما هم أساتذة وعلماء قانون والأهم من ذلك عقلاء لايمكن ان يصدر عنهم مثل هذا الكلام الأهبل الأهوج . ولو أن هذا القرار يعبر عن حالة خاصة .. لهان الخطب .. رغم عدم قبوله عقلا .. ولكنه مجرد حاله من حالات كثيرة يصدر فيها مسئولون قرارات عشوائية هبلة .. تخالف صريح القانون .. والدليل على ذلك آلاف الأحكام التى تصدرها المحكمة الدستورية العليا والقضاء الإداري ببطلان وعدم دستورية العديد من القوانين والقرارات . أما الأدهى والأمر .. أن كثيرا من تلك القرارات العشوائية التى تصدر بالمزاج .. لن يترتب عليها مخالفة القانون والدستور فحسب .. بل ربما ترتب على بعضها أثارا سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية مدمرة .. خذ مثلا .. قرار بانشاء لعبة كرة القدم الحريمي .. أصدرته امرأة واحدة دون أن يؤخذ رأى مؤسسات المجتمع المعنية ، وتم تمريره دون أن يثير أية ضجة .. رغم مخالفته لشريعة المجتمع ولأخلاق المجتمع .. وهناك قرار اكثر خطورة .. اقصد قرار اشتراك مصر فى مهرجان السينما العالمية والمسرح التجريبي وكلها تعرض لأفلام ومسرحيات تمتلىء بالمشاهد الجنسية الصارخة تظهر فيها العورات المغلظة للممثلين والممثلات .. ويشاهدها آلاف مؤلفة من الجمهور .. وهو قرار اصدره شخص مجهول الهوية والإنتماء دون مراعاة أو مبالاة لشريعة المجتمع ولا للأخلاق .. وهناك عروض الشو التى تظهر فيها الممثلات عاريات حتى من ورقة التوت .. وقرارات انشاء قنوات فضائية داعرة .. وقرارات اخرى كثيرة اصدرها مسئول غير مسئول .. بشكل فردي ودون الرجوع لأهل الحل والعقد .. وتم تمريرها رغم أنف المؤسسات الدينية .. وقرارات تمنع ارتداء الفتيات للحجاب .. واخرى تحرم دخول الأندية على اصحاب اللحى والنقاب مخالفا بذلك كل الأعراف والقوانين .. وهكذا يستطيع أى مسئول أن يصدر أى قرار ربما رآه فى المنام .. وربما جاء نتيجة الحاح المدام ونكاية فى جارتها أو صديقتها .. على الرغم من الآثار المدمرة لهذا القرار على بنية المجتمع السياسية والإجتماعية والأخلاقية والإقتصادية . نسيت أن أقول .. أن قرار منع استيراد سكينة المطبخ وتجريم حاملها وحائزها .. ربما جاء نتيجة لمصالح شخصية لبعض المسئولين الذين يقومون بدورهم بحل الإشكال - وهى طريقة مصرية شائعة - إما عن طريق منح اصحاب هذه الرسائل الموجودة بالفعل بالجمارك أو التى ستم استيرادها ترخيص باستيراد اسلحة طبعا فى مقابل رشوة نقدية .. أو عن طريق اجبار اصحاب هذه الرسائل الموجودة بالجمارك على بيعها صوريا إلى قرى سياحية وفنادق ومطاعم .. وهو الحل الذى تفتق عنه فكر بعض المسئولين لتفادى الخسائر التى ستلحق بأصحاب هذه البضائع الموجودة بالفعل والتى لم يراع صاحب القرار كونها قد استوردت بالفعل فى ظل قانون يسمح بذلك .. لكن العقلية التى تحكم هذا النظام تصر على معاقبة الناس فى أرزاقهم وبأثر رجعي .. ويبدو أن صاحب هذا الحل الأخير الذى يجبر المستوردين على التوريد الصوري للفنادق والكباريهات والقرى السياحية فى مقابل مادي يفرضه اصحاب تلك الفنادق والقرى السياحية .. لايعرف حجم مثل تلك الرسائل .. وإلا لما نطق بهذا الكلام الطائش .. ولكن هكذا تتخذ القرارات فى مصر ولاحول ولا قوة إلا بالله .