الإعلام الرسمى من المفترض به أن يكون مرآة عاكسة لأهم القضايا التى تثير الرأى العام، وله أيضًا القدرة على ترتيب أولويات الجماهير من خلال تسليط الأضواء على المشاكل الاقتصادية والسياسية، ولذلك فإن وسائل الإعلام المختلفة جميعها لها أهداف محددة وغايات مرسومة مهما كان الاتجاه الذى تسير فيه هذه الوسائل، فكلٌ له أهدافه. ولذلك فأهمية الإعلام الرسمى لا تكمن فى اقتنائه ومجاراة الآخرين (الإعلام الخاص) فى استخدامه وتوجيهه، وإنما فى كيفية استعماله وتوظيفه بشكل هادف وعلى نحو يجعله قادرًا على التعبير الموضوعى عند تناول القضايا المختلفة، بحيث نضمن وسائل إعلام رسمية بإطار مرجعى كفيل بتوفير تغطية تتماشى مع قواعد الإعلام والأسس القائم عليها بعيدًا عن العفوية والارتجال. وربما هذا ما تفتقد له وسائل الإعلام التليفزيونية الرسمية فى وقتنا الراهن مع كل أسف، بعد أن رهنت أداءها وتطلعاتها بالتعايش مع متطلبات السوق الإعلامية بما يضمن لها ترويج سلعتها الإعلامية فى أكبر عدد ممكن من الأسواق لضمان وصولها بالتالى إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. وهذا هو الشيء الذى ربما أفسح المجال لحدوث ممارسات إعلامية خاطئة وغير مسئولة أفرزت حالة من الشك وعدم المسئولية حول حقيقة دور وسائل الإعلام الرسمية ومصداقيتها، وما إذا كانت تقوم بالفعل بتأدية رسالتها المفترضة أم لا، ونحن الآن فى ظل افتقادنا عصور الريادة الإعلامية بعد أن انصرف الإعلام الرسمى فى الآونة السابقة إلى أشياء وقضايا ليست ذات جدوى وبرامج للتسلية والتفاهة والسطحية المطلقة وإنشاء قنوات جديدة ليس لها أى أثر لدى المشاهد ولا تدخل حتى فى نطاق المنافسة مع مثيلاتها الخاصة ويتم الإنفاق عليها دون محاسبة وصلت إلى مئات الآلاف من الجنيهات شهريًا إضافة إلى أنه مع هذا الإنفاق لم تستطع هذه القنوات مجاراة مثيلاتها الخاصة، ولا أدرى ماذا استفادت الدولة من إنشاء هذه القنوات، أو ما هى الإستراتيجية التى قامت عليها، مثل قناة نايل سينما ونايل كوميدى وهى قنوات ذات تكلفة عالية وباهظة وعدم ضخ الأموال فيها يدخلها فى مرحلة الرتابة، وخصوصا رئيس قناة نايل سينما الذى يعمل فى قنوات خاصة مخالفا القانون ولا رقيب.. فالإعلام الرسمى ترك مهمته الأساسية نحو المواطن المصرى وهى التوعية والتثقيف ومناقشة قضاياه وطرح مشكلاته ومحاولة طرح حلولها بشفافية والتركيز على الشباب ليس بالترفيه وبرامج المنوعات والبرامج السطحية التى يتميز بها ماسبيرو، بل بما يؤهله ليكونوا شبابًا فاعلين لمجتمعهم ولمستقبل مصر ولا ينجرفون وراء من يريد هدم شباب مصر أو الإضرار بمصالحه. والنتيجة كانت أن المسئولين عن هذا الإعلام فى اتجاه والمواطنين فى اتجاه آخر، وأصبح هؤلاء المسئولون يصنعون ما يعتقدون أنه إنجاز لصالح المواطن دون دراسة متأنية تخضع لاستطلاعات الرأى والدراسات المتخصصة من كل الاتجاهات، وحتى السياسيين أنفسهم انصرفوا إلى القنوات الخاصة المصرية والعربية بعد شعورهم بأن هذه القنوات هى الأكثر تأثيرًا لدى المواطن. فما نرجوه هو أن يخبرنا قيادات ماسبيرو بالأسس التى يقوم عليها إنتاج البرامج والأهداف التى يسعون إلى تحقيقها من وراء كل برنامج حتى نقتنع أن الملايين يتم صرفها فى الاتجاه الصحيح وأن هذه البرامج تستحق أن تكون على شاشات تليفزيون الدولة، فما يحدث الآن أيها السادة هو محاولة تقليد للقنوات الخاصة بلا هدف. ولذلك أتمنى من السيد وزير الإعلام وهو بصدد إنشاء لجان التقييم الإعلامى لحرصه على وجود مرجعية إعلامية محترفة داخل ماسبيرو بأن يحيل برامج ماسبيرو إلى هذه اللجان لتقييمها، وأن تتمتع هذه اللجان بالشفافية والاستقلالية بعيدًا عن أصحاب المصالح وألا يتم إنتاج برنامج جديد إلا بعد موافقة لجنة التقييم عليه ومعرفة جدواه والقائمين عليه، ونرجوه ألا تكون هذه اللجان حكراً على أساتذة الإعلام النظرى، فهم من أوصلوا الإعلام إلى ما هو فيه الآن، ونتمنى أيضًا أن يقوم سيادته باتخاذ خطوات جادة للقضاء على عشوائية الإعلام فى ماسبيرو والاستعانة بالمخلصين من أبنائه، لعلنا نحقق إعلامًا يبنى ولا يهدم ويجعل رفعة شعب مصر ومستقبل شبابه هو الأساس، وألا ننجرف إلى من يجعلنا نحاول اللحاق بركب القنوات الخاصة ولن نلحقها، فكلٌ له أهدافه ووسائله. وفى النهاية لابد أن نعلم أن المنافسة الإعلامية لا تأتى بالشعارات البراقة والأسماء المشهورة، بل بالفكر الإعلامى الجديد المتطور الذى يستطيع بناء نهضة إعلامية حقيقية بآليات جديدة ومعايير حديثة تؤدى إلى تطور فى المضمون وليس فى الشكل فقط. كل ما سبق هو نقاط سريعة لاستعادة التليفزيون المصرى لمكانته المتميزة التى تعيد لمصر مكانتها الإعلامية ويحول هذه المؤسسة العريقة إلى مؤسسة لا تمثل عبئاً على خزينة الدولة، فلا بد من إغلاق هذه القنوات وتوزيع عمالتها على القنوات الأخرى والاستفادة بما يتم صرفه على هذه القنوات فى أمور أخرى أكثر جدوى للمجتمع ولبناء شبابه.