المتابع وغير المتابع للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام يذهل من حجم وقدر برامج "التوك شو" التي سخّرت نفسها للسخرية من الشخصيات والبرامج والمشاريع , والسمة الغالبة على هذه البرامج اتفاقها على السخرية من أي برنامج أو مشروع أو قامة وطنية تهدف إلى نهضة البلاد وإصلاحها , ومن أوائل ما يرد على الذهن عند مشاهدة هذه البرامج , هو قول الله تعالى عن نبي الله نوح ,{ ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأُ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} . هذه الآية تجعلني أخاطب في هذه المقالة , أتباع قوم نوح عليه السلام الذين يبنون الفلك على اليابسة .. الذين يريدون الإصلاح والعمل والإنتاج , أما الساخرين المثبطين الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا متفرجين ومستهزئين ، فلو كانوا يتعظون لاتعظ من كان قبلهم ممن رأى عاقبة استهزائه وسخريته في السابقين ممن هو على شاكلتهم . وسأُجمِل مقالي في عدة نقاط : _ وجّه الله نبيّه نوحاً عليه السلام في ذروة اشتغاله بصناعة الفلك أن يواجه سخرية من سخِروا منه , فالتوقيت الزماني له أثره ومقابلة السخرية بمثلها تواجهها كما دل على ذلك " فإنا نسخر منكم كما تسخرون " . _ وكما أن هناك اختلافا كبيرا في سبب السخرية بين الملأ الذين ما سخروا من نبي الله نوح إلا لفقد الحجة والبيّنة , وبين سخرية نوح ومن معه , فلا بد أن يكون هناك تباين واختلاف في الوسائل , فلا ينبغي بحال لأهل الحق أن يستخدموا نفس الوسائل القذرة التي يستخدمها أهل التضليل والسفهاء , فهؤلاء لا يردعهم رادع ولا تحكمهم قِيَم , أما أهل الحق فهم يردّون الباطل ويسخرون منه ويثخنون فيهم بالهجاء والنقد والتقريع لكن بوسائلهم المشروعة بدون كذب أو تلبيس وذلك أن فيهم من السوآت والمصائب ما يكفي لتعريته وإظهاره.
_ إن كانت سخرية المضللين سخرية شكلية مظهرية , نابعة من نظرة قاصرة وحِقد دفين سرعان ما يتبيّن نقيضها ويظهر كذبها , ليعاودوا الكرّة ويبحثوا عن موقف آخر أو شخصية أخرى يسخرون منها , فإن سخرية أهل الحق تكون بدايةً بإظهار حماقاتهم وسوء نياتهم وبيان ضيق أفقهم وضحالة فكرهم , أما السخرية العظمى منهم تكون عند حصول الغايات وبلوغ المآلات وظهور الحقائق , وليس بعد الحق إلا الضلال , وهذه غاية السخرية منهم
وقبل أن أختم مقالي هذا .. أطرح تساؤلا.. وهو:
ماذا لو كان هؤلاء الإعلاميون الذين امتهنوا السخرية في برامجهم وقنواتهم , ماذا لو كانوا في زمن نبي الله نوح عليه السلام وهو يصنع الفلك في ذلك المكان البعيد عن الماء ..كيف سيصيغون هذه الوجبة الإعلامية ؟ وكيف سيتعاملون معها ؟ وكيف سيعلّقون عليها ؟وهل كانوا سيركبون في السفينة التي على اليابسة , أم سيستمرون في السخرية وهم يرون زخات الأمطار بدأت في الهطول وهم يظنون أنهم على جبل يعصمهم من الماء ؟!! أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]