"بالرغم من الضائقة الاقتصادية التي تمر بها مصر فإن قضية الأمن والعنف الخبيث سوف تبقى القضية الرئيسية الدائمة لفترة الرئاسة الأولى للرئيس مرسي بسبب الخارج المعادي والداخل الفلولي". لم يكد الشيخ العريفي يغادر مصر حتى تم الاعتداء بالرصاص القاتل على معتصمي الإتحادية، لتذهب كلمات الشيخ الجليلة للمصريين أدراج الرياح، و تبرز هذه الحادثة الهمجية أن المشهد المصري الحالي هو مشهد صراع سياسي أكبر تعقيدًا و أخطر تطورًا من أن تهيمن عليه خطبة دينية تهز القلوب وتدمع العيون، إذ أن أطرافًا من المشاركين في هذا الصراع السياسي لا يعنيهم الدين في شيء وهؤلاء هم الذين قيل فيهم "إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن". لقد جاء الاعتداء الإرهابي على معتصمي الإتحادية في توقيت تتداخل فيه التطورات السياسية لمصر على الصعيد الخارجي والداخلي ولكن القاسم المشترك لهذه التطورات في الداخل والخارج هو قدرة مصر حكومة وشعبًا على النجاح والتقدم وإثبات الذات، نعم قدرة الرئيس المصري المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين على قيادة دفة البلاد ورعاية المصالح المصرية في الخارج: لقد جاء حادث الإتحادية قبل توجه الرئيس المصري إلى القمة الاقتصادية العربية الثالثة في السعودية يومي 21 و22 من الشهر الجاري وتوجهه بعدها بأيام إلى قاطرة الإتحاد الأوروبي، ألمانيا. لقد جاء هذا الحادث مباشرة بعد بدء النيابة العامة في التحقيق في نتائج تقرير تقصي الحقائق الذي يمثل كابوسًا كبيرًا على رموز النظام السابق مع استمرار محاكمات العديد منهم في قضايا الفساد المالي الواسع، لقد جاء هذا الحادث بعد استقرار قبول الدستور شعبيًا والتعديل الحكومي الذي اشتمل وزارة سيادية حيوية هى وزارة الداخلية وبعد بوادر الانفراجة المالية والاقتصادية وبعد محادثات الرئيس مرسي مع ممثلي حركتي فتح وحماس للتوفيق بين الحركتين على نحو يغيظ الإسرائيليين أيما غيظ. ولا ننسي تصريح رئيس حزب الوسط أبوالعلا ماضي الذي أكد أن مصر بعد الثورة قد تحولت إلى مرتع غير مسبوق لأجهزة مخابرات الدول الأجنبية وأنه لسر مكشوف للعيان أن الخارج العربي وغير العربي لا يقبل حكم الإخوان المسلمين إلا على مضض لأسباب برجماتية وقتية فقط، كما أن الداخل الفلولي لن يقلع عن الانتقام الأعمى ممن ورثه في جنته التي أخرجته الثورة منها مذؤمًا مدحورًا. ويدرك الداخل الفلولي والخارج المعادي أن استباحة الدم المصري البريء هى أفضل وأقرب السبل لتحقيق أهدافهما الخبيثة. إن شيئًا لا يمكن أن يلحق الضرر بنظام حكم في أى بلد سواء أكان صغيرًا أو عظيمًا غير سفك الدم أو الشروع في سفك الدم. وإذا كان هذا السفك يستهدف به معتصمون ذوو مطالب سياسية وإذا كان هذا السفك أو الشروع في السفك في مكان له رمزية بالغة الدلالة لا تتوفر لغيره. كقصر رئيس الجمهورية الذي يصدر منه قرار الحرب والسلام... فإن الضرر يكون أعظم وأفدح. وبعبارة أخرى لا يمكن إلحاق الإهانة بنظام حاكم بقدر أكبر من إظهاره لمواطنيه في الداخل وللمسرح السياسي في الخارج على أنه نظام ضعيف غير مهيمن على الأمن. إن إدارة الرئيس المصري محمد مرسي وبخاصة وزارة داخليته لا يجوز لها بحال أن تنظر إلى قضية الأمن على أنه "أمن المناسبات والأماكن الحيوية" مثل تأمين الذكرى الثانية للثورة، وإنما على أنها "أمن البلاد على مدار الساعة" وعلى أنه مسؤولية الجميع وليس أفراد وزارة الداخلية فقط، فالعدو لا ينام.