د. مختار الغباشى: التعددية الحزبية فى مصر شكلية حاتم عزام: هذه الأحزاب الكثيرة ستتلاشى خلال زمن قصير د. نبيل عبدالفتاح: قريبًا ستظهر فى مصر أحزاب الفضائيات أحمد عز العرب: العبرة ليست بعدد الأحزاب ولكن العبرة بالقائمين على تلك الأحزاب د. رأفت عبدالغفور: بعض النخب والتى لا تستطيع العمل كفريق واحد ترجع بداية الحركة الحزبية فى مصر إلى عام 1907, مع إنشاء الحزب الوطنى على يد الزعيم مصطفى كامل, وكان ذلك بداية لنشأة أحزاب أخرى تشارك فى قضية التحرير مثل حزب الأمة و الذى أسسه أحمد لطفى السيد. ظهر بعد ذلك حزب الوفد كحركة شعبية فى البداية ثم تحول إلى حزب, وتوالى تكون العديد من الأحزاب الصغيرة أغلبها انشقاقات من الأحزاب الأم, ومنها أحزاب الكتلة السعدية, والأحرار الدستوريين، وغيرهم من الأحزاب المنشقة عن حزب الوفد. وجاءت مرحلة جيدة فى الحياة الحزبية فى مصر, بعد إصدار قرار حل الأحزاب فى 16 يناير عام 1953, فقد تمت عملية تذويب وفك الارتباط بين هذه الأحزاب التى ارتأت الثورة أنها كانت توصف بالعمالة للاحتلال أو الموالاة للقصر, التى تحولت جميعها إلى تنظيم واحد بعد قيام ثورة يوليو. ثم جاءت مرحلة "العودة إلى التعددية الحزبية" فى مصر, فى عهد الرئيس أنور السادات, الذى قرر أن يتحول من سياسية الحزب الواحد إلى التعدد الحزبى, بدأ عام 1976بتأسيس ما عرف وقتها بالمنابر (اتجاهات مختلفة داخل الواحد), ثم تم الموافقة على تحويل المنابر إلى أحزاب سياسية عام 1977, فخرج عنها أحزاب التجمع والعمل ومصر، ثم أسس الحزب الوطنى الديمقراطى على أطلال حزب مصر وترأسه هو. مع تولى الرئيس المخلوع كان هناك 6 أحزاب على الساحة, وخلال فترة حكم مبارك تم إنشاء 22 حزبًا من مختلف التيارات والاتجاهات, وقد فرضت الدولة سيطرتها على العديد من الأحزاب وتدخلت فى إغلاقها وإضعافها عن طريق إحداث صراعات داخلية لشق الصف لتصبح أحزابا ورقية لا تتمتع بأى أرضية شعبية, وكان أشهر حالات الإغلاق "حزب العمل" حيث صدر قرار بتجميد الحزب ووقف إصدار جريدة "الشعب", ووقف الأمن ضد عقد المؤتمرات الشعبية للأحزاب، ومنع الظهور الإعلامى لغير أعضاء الحزب الوطنى، وكان لذلك بالغ الأثر فى إضعاف الأحزاب فى مصر. وبعد ثورة 25 يناير تم إنشاء أكثر من 40 حزبًا من مختلف التيارات أبرزهم حزب الحرية و العدالة, الدستور, النور، المصريين الأحرار، ومنها أحزاب لم يسمع عنها الكثيرون شىء, وبعد إقرار الدستور سيتم إنشاء الأحزاب عن طريق الإخطار فقط مما سيوسع دائرة التقديم لأحزاب جديدة، والسؤال هنا: هل تتسع الساحة لكل تلك الأحزاب؟ أم أن أغلبها سيكون حاله حال الأحزاب الصورية الغير متواجدة شعبيا؟. فى هذا الصدد يقول المهندس حاتم عزام نائب رئيس حزب الحضارة وعضو الجمعية التأسيسية للدستور, إن خطوة إنشاء الأحزاب عن طريق الإخطار بشكل عام سيثرى الحياة الحزبية ففى كل المجتمعات الديمقراطية يكون تكوين الأحزاب بالإخطار فقط, ويتوقع عزام أنه على المدى القريب والمتوسط, سيكون هناك سيولة فى عدد الأحزاب فستشهد الفترة القادمة العديد والعديد من الأحزاب بمختلف توجهاتها, ولكن بين خمس إلى ثمان سنوات ستقل تلك الأعداد وسيبقى على الساحة حوالى ستة أو سبعة أحزاب فعالة. وأكد عزام أن تلك الحرية فى إنشاء الأحزاب ستأتى بنتيجة أخرى ذات أهمية قصوى، وهى تشجيع الكثيرين على الدخول فى النظام الحزبى فى مصر بشكل أكبر, لأن فى الماضى كان هناك تخوف مبرر عند البعض من الدخول فى الحياة الحزبية, لما كان يعرف عن شبكات المصالح أو أن تكون الأحزاب مجرد ديكور لتجميل الصورة أما وإن فتح المجال للجميع فستشهد الساحة كفاءات حزبية جديدة. وأضاف أن شكل الحياة الحزبية الجديد سيختلف بعد أن أصبح مجلس النواب يشكل الحكومة و له دور أكبر من ذى قبل, فأصبح واضحا لجميع الأحزاب أن من سيحصل على مقاعد بسيطة لن يستطيع أن يفعل شيئا بمفرده وأن المستقبل سيكون للتحالفات داخل البرلمان وهذا سيجعل بعض الأحزاب تندمج مع أحزاب أخرى وسيكون البقاء للأصلح والقادر على التواصل مع الجماهير. وأرجع كثرة الأحزاب إلى غياب مفهوم العمل الجماعى وهذا بسبب الموروث الذى تركه النظام السابق من تعميق عدم القدرة على العمل الجماعى و قد أبدى تفاؤله بالمرحلة القادمة لأنه لا أحد سيستطيع العمل بمفرده. ويقول الدكتور مختار غباشى, إن التعددية الحزبية فى مصر هى تعددية شكلية لا أكثر, فالفاعلون الأساسيون اليوم فى الحياة السياسية هم ثلاث كتل أساسية: الكتلة الإسلامية بتنوعاتها, الكتلة الليبرالية بتنوعاتها وكتلة النظام السابق. ويرى الغباشى أن الحياة السياسية لن تتحمل كل تلك الأحزاب وأن العدد الكبير من الأحزاب سيتحلل مع الوقت وسنشهد اندماجا بين أحزاب واختفاء أحزاب أخرى, ويرى أن هذه ظاهرة طبيعية جدًا فنحن ما زلنا فى مرحلة تشكيل تجربة ديمقراطية مصرية, فى ظل غياب أحزاب راسخة تاريخيًا, فحتى حزب الوفد فقد جزءا كبيرا من بريقه. وأضاف أن هذا لا يمنع أن هناك أحزابا ولدت قوية كحزب الحرية والعدالة الذى استمد قوته من جماعة الإخوان المسلمين بحكم الأرضية الشعبية التى تتمتع بها, وكذلك حزب النور السلفى الذى وراءه الجماعة السلفية التى ظهرت منذ الثلاثينيات, و يتوقع أن تتفوق التكتلات الإسلامية على غيرها فى الفترة القادمة. ويقول الدكتور نبيل عبدالفتاح بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه مهما كثرت الأحزاب ستظل هناك قوة نوعية مبنية على الأوزان النسبية للأحزاب فى الشارع المصرى, و لكن بحكم المرحلة ستظل هناك حالة من التشظى, وأن الكثير من الأحزاب تفتقد إلى الحنكة السياسية والقاعدة الشعبية التى يمكن أن تنافس بها, والحزب الذى يفتقر إلى السند الاجتماعى هو حزب هامشى, حتى ولو كان يمتلك صوتا سياسيا صاخبا, وستشهد المرحلة القادمة التشتت فى الرؤى السياسية واللغة السياسية أيضا. وأكد أن هناك أحزابا ستنشأ لأسباب بعينها, وهى "أحزاب الفضائيات" التى يظهر أعضاؤها على الشاشات لا أكثر بلا تفاعل حقيقى, وعلينا كى نقرأ الوضع جيدا ألا ننظر للضجيج الحزبى دون النظر للمواقف الحقيقية لتلك الأحزاب و ما تقدمه من بديل حقيقى يمكن أن ينافس فى البرلمان و يؤدى أداءً قويًا. ويرى أحمد عز العرب نائب رئيس حزب الوفد, أن تجربة مجلس الشعب السابق أثبتت من خلال الممارسات أنه كان منقسما على نفسه وأن هناك بعض الأحزاب تسعى للسيطرة الكاملة على البرلمان, والعبرة ليست بكثرة الأحزاب والدليل ما كنا عليه فى عهد مبارك فكانت أحزاب المعارضة الناعمة, ولكن العبرة بمن سيتولى قيادة تلك الأحزاب, وأننا نفتقر لقيادات رشيدة تستطيع أن تنجح أحزابا يكون لها مستقبل فيما بعد, وذلك يرجع لغياب الرؤية السياسية. وأبدى عز العرب تفاؤله فى توحد الأحزاب على المدى البعيد و أكبر مثال على ذلك جبهة الإنقاذ و التى تضم خمسة أحزاب وأنهم سيكون لهم دور كبير على الساحة وفى الدورة البرلمانية القادمة. ويقول الدكتور رأفت عبدالغفور الباحث السياسى إن كثرة الأحزاب تعنى عدم التوافق والتفرق, وإن العدد ليس هو المقياس ولكن ما تحمله تلك الأحزاب من استراتيجيات وتصورات لقوانين يمكن أن تفيد المواطن فى شتى المجالات, فقد أرهقت النخب المواطن البسيط الذى يتمنى حياة كريمة و توفير لقمة العيش. وأضاف مستنكرا أن كثرة الأحزاب دليل على الانفراد فى الرأى من قبل بعض النخب والتى لا تستطيع العمل كفريق واحد فيسعى البعض لفرض سيطرته داخل الحزب الواحد صاحب الأيديولوجية الواحدة فكيف لهم أن يفيدوا البسطاء و هم فيما بينهم شقاق. و أكد أن الحياة الحزبية لن تقوى إلا بوجود أحزاب تتنافس فيما بينها فى طرح الحلول ومناقشة الآراء وليس بأحزاب هدفها الأول والأخير الإطاحة بالآخر وإفشال كل ما يقدمه حتى لو كان سيعود بالخير على مصر. وقال إن الفترة الماضية كشفت للشعب المصرى الكثير, فأصبح أكثر وعى وثقة فيمن سيعطيه صوته فى الانتخابات القادمة وسيكون الشعب المصرى هو الحكم والفيصل فيمن سيبقى من أحزاب ومن سيختفى, هذا الشعب الذى لفظ الفلول بمحض إرادته إعلاء لمصلحة الوطن قادر على الفرز واختيار الأصلح للمرحلة القادمة.