من أكون حتي أعيد القراءة في قراءة المفكر المصري العظيم د.عبد الوهاب المسيري في فكر واحد من أروع الرجال الذين قرأت عنهم في حياتي وهو الرئيس علي عزت بيجوفيتش (الرئيس السابق للبوسنة، وقائدها السياسى، وزعيمها الفكرى والروحى) لكنها محاولة من العبد الضعيف أن يتمسح في ثياب هؤلاء العظماء لعله ينال قبس من علمهم وفوائد أخري منها دعوة القارئ العزيز للسياحة في فكر العظماء عن طريق إعادة نشر هذه القراءات الممتعة والماتعة والآن أترك القارئ مع سحر القراءة للمسيري التي لاتقل روعة وتألقا عن فكر عزت بيجوفيتش يرى على عزت بيجوفيتش أن هناك ثلاث وجهات نظر عن العالم 1- الرؤية المادية التي ترى العالم باعتباره مادة محضًة، وهى فلسفة تنكر التطلعات الروحية للإنسان. والاشتراكية مثل جيد على هذه الفلسفة، فهي تقدم خلاصا خارجيا فقط (من خلال الاستهلاك وتحسين مستوى الدخل أو تغيير البيئة الاجتماعية … إلخ). 2- الرؤية الدينية المجردة (أو الروحية الخالصة)، و هي رؤية للدين باعتباره تجربة روحية فردية خاصة لا تذهب أبعد من العلاقة الشخصية بالله، وهذه الرؤية تنكر الاحتياجات المادية للإنسان. والمسيحية مثل جيد على هذه الرؤية، فهى تقدم خلاصًا داخليا فحسب. إن أي حل يغلّب جانبًا من طبيعة الإنسان على حساب الجانب الآخر من شأنه أن يعوق القوى الإنسانية أو يؤدى إلى الصراع الداخلي. فالحياة، كما يقول على عزت بيجوفيتش، « مزدوجة، وقد أصبح من المستحيل عمليًا أن يحيا الإنسان حياة واحدة منذ اللحظة التى توقف فيها أن يكون نباتا أو حيوانًا. 3- ثمة رؤية ثالثه تعترف بالثنائية الإنسانية، وتحاول تجاوزها عن طريق توحيد الروح والمادة، وهذه هى الرؤية الإسلامية. إن الإسلام يخاطب كل ما في الإنسان ويتقبله. ويرى على عزت بيجوفيتش أن الإسلام وُجد قبل الإنسان، وهو -كما قرر القرآن بوضوح- المبدأ الذي خُلق الإنسان بمقتضاه، ومن ثم نجد انسجاما وتطابقا فطريا بين الإنسان والإسلام. « الإنسان هو وحدة الروح والجسد، [وكذا] الإسلام .. [فهو أيضًا] وحدة بين الاتجاه الروحي والنظام الاجتماعي، وكما أن الجسم في الصلاة يمكن أن يخضع لحركة الروح، فإن النظام الاجتماعي يمكن بدوره أن يخدم المُثل العليا للدين والأخلاق ». إن الإسلام انطلاقا من إدراك ثنائية الإنسان « لا يتعسف بتنمية خصال لا جذور لها في طبيعة الإنسان. إنه لا يحاول أن يجعل منا ملائكة؛ لأن هذا مستحيل. بل يميل إلى جعل الإنسان إنسانا. في الإسلام قدر من الزهد، ولكنه لم يحاول به أن يدمر الحياة أو الصحة أو الأفكار أو حب الاجتماع بالآخرين، أو الرغبة في السعادة والمتعة. هذا القدر من الزهد أريد به تحقيق التوازن في غرائزنا، أو توفير نوع من التوازن بين الجسد والروح. إن القرآن يتناول الغرائز متفهما لا متهما، ولحكمة ما سجدت الملائكة للإنسان. ألا يشير هذا السجود إلى معنى تفوق ما هو إنساني على ما هو ملائكي؟ ». هذه الثنائية هي سبب سوء فهم العقل الغربي لهذا الدين، وهو سوء فهم لا يزال مستمرًا إلى هذا اليوم. « فمن جانب الدين [الروحي المجرد] اتُهم الإسلام بأنه أكثر لُصوقًا بالطبيعة والواقع مما يجب، وأنه متكيف مع الحياة الدنيا. واتهم من جانب العلم أنه ينطوي على عناصر دينية وغيبيه. وفى الحقيقة هناك إسلام واحد وحسب، ولكن شأنه شأن الإنسان له روح وجسم. فزعم التعارض فيه يتوقف على اختلاف وجهة النظر. فالماديون لا يرون فى الإسلام إلا أنه دين وغيب، أى اتجاه ، »يمينى ». بينما يراه المسيحيون فقط حركة اجتماعية سياسية، أى اتجاه « يسارى »! وفى واقع الأمر، ليس الإسلام هذا ولا ذاك، وإنما هو يجمع بينهما فى كلّ واحد متكامل متوازن. رحم الله المسيري وبيجوفيتش رحمة واسعة جزاء ما قدما للعالم الغربي والعربي من فكر مستنير عن الإسلام العظيم أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]