اتصل بي اليوم الحاج حافظ سلامة حفظه الله وأمد في عمره وبارك الله فيه ،وهو قائد المقاومة الشعبية في السويس إبان حرب أكتوبر 1973م ، وتربطني بالحاج حافظ علاقة خاصة منذ سنين طويلة ، وحين كانت جريد ة الشعب تصدر وكنت مسئولا فيها عن المؤسسة الدينية كشف لي الحاج حافظ عن دوره الذي لا يعرفه أحد في تعبئة الروح المعنوية للجنود قبل معركة أكتوبر ، فقد كان هو المنسق لعملية إرسال مجموعة من علماء الأزهر كل أسبوع للجنود علي الجبهة وإبان حرب الاستنزاف حيث كان يستقدم العلماء إلي مسجد عمر مكرم ثم تستقلهم العربة ويبقون لمدة أسبوع كامل علي الجبهة مع الجنود ، يعلمونهم الشهادة والاستشهاد وكراهية الصهاينة للإسلام والمسلمين ، وهذا الدور المعنوي الرائع للحاج حافظ هو الذي ظهر في أول يوم لمعارك رمضان حين كان الجنود يصيحون بصوت جميل الله أكبر الله أكبر وهم يعبرون القناة ويركزون العلم المصري علي الشاطئ الشرقي للقناة في عملية هي الأهم والأجمل في تاريخ العسكرية والوطنية المصرية والعربية . الحاج حافظ حفظه الله حكي لي بالتفصيل كيف هاجم الصهاينة السويس القريبة من القاهرة بعد الثغرة وكيف دخلوا المدينة فعلا ، وأمروا محافظها في ذلك الوقت برفع الرايات البيضاء وإعلان الاستسلام وتجمع المواطنون في استاد المدينة ، ووافق المحافظ بالفعل الذي اختفي من مبني المحافظة وهنا انتقلت القيادة لقائد المقاومة الشعبية الحاج حافظ ذلك الرجل الرباني المجاهد الذي ينتمي لعالم الآخرة بالكامل ، رفض الحاج حافظ وقرر المقاومة ، جاءته لحظة كان ينتظرها ويحبها وهي لحظة المواجهة مع الصهاينة الأعداء التاريخيين والتقليديين للمسلمين " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا " . رفض الحاج حافظ التسليم لليهود وأعلن المقاومة الشعبية وشارك معه ثلة من الشباب المسلم الرائع الجميل الذين لا تزال صورهم المضيئة معلقة علي حائط مسجد جمعية الهداية في السويس والذي كان مركز التخطيط للمقاومة ضد المعتدي الغازي . واستطاع الشباب أن يضربوا الأرتال اليهودية من الدباباب في مقتل وشعر العدو بالخطر وأنه في ورطة فترك المدينة وانسحب . حكي لي الحاج حافظ سلامة عن علاقته المتينة والخاصة بالجيش الثالث وقياداته الوسطي والكبيرة وكيف كان يوفر لهم الغذاء الذي يطلبونه في وقت كان أمر توفير الغذاء للجنود أمرا صعبا جدا وكان يأحذ منهم كشوفا يومية بحاجة الجنود ويذهب سعيا لتوفيرها ، إنه أحد أبطال العبور والمقاومة بلا منازع وهو نموذج رائع يجب أن يتعلم منه شبابنا ، والله لوكان الحاج حافظ في أمة أخري لدبجت فيه آلاف المقالات والكتب ولبنوا له تذكارا يخلدونه به . الحاج حافظ هو الذي بني مسجد النور في العباسية واستولت عليه وزارة الأوقاف المصرية ورفع عليها قضايا وكسبها ولكن الدولة لم تعطه المسجد الذي حولته لمشروع استثماري يكسبون منه كل يوم مغانم لا تعد ولاتحصي ، رغم أن مرافق المسجد هي ملك جمعية الهداية الإسلامية ، ولايزال الحاج حافظ سلامة يذهب أول كل شهر في حجرة صغيرة يفتحها ويوزع المعونات علي السيدات الفقراء كل يوم خمسة من الشهر الأفرنجي . أتذكر الحاج حافظ كلما مررت علي منطقة المظلات التي أسكن إلي جوارها وأري الصرح الإسلامي الكبير الذي بناه الحاج حافظ سلامة وحكي لي كيف سافر إلي عواصم عديدة ومنها اسطنبول ليضع تصميم المجمع الإسلامي الكبير والعملاق والذي لو وضع مسجد النور في باحته لوسعته ، أطال الله في عمر الحاج حافظ الرجل الزاهد المتجرد النموذج الذي يعيد إلي الأذهان حياة الصحابة فهو أحسبه ممن عناهم الله في قوله تعالي " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " فهو من هذا القليل نحسبه كذلك ولانزكيه علي الله ، والله حسيبه ، نحن نحبك ياحاج حافظ ونحن أولادك وتلامذتك ونعي قدرك وحقك في زمن تاهت فيه الأقدار وضاعت الحقوق . كان الحاج حافظ يتصل بي يسألني عن الوضع السياسي في العاصمة وعن مظاهرة يوم الخميس القادم في عابدين فهو يريد حضورها ، الحاج حافظ رمز مستقل لم يدعه أحد ممن يخرجون علينا كل يوم بإعلان تجمعات وتحالفات وحركات ، فالناس تنسي ولا تعرف إلا المتصدرين لكاميرات الفضائيات بينما الحاج حافظ من الجنود المجهولين ولكنه رمز وقدوة لجيلنا وحقه علينا أن نذكره ونقدمه فهو عنوان خير ونذير بركة ولذا نحن جيل السبعينيات الإسلامي نرحب به وندعوه حيتما كان ليكون درة علي جبيننا وتاجا فوق رؤؤسنا ، سلام الله عليك حيث كنت يا حاج حافظ .