قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن الريف في مصر وغضب الفلاحين يمكن اعتباره "قنبلة صامتة موقوتة". وأكدت أنه في كافة أرجاء البلاد، سواء في المدينة أو القرية.. أو المزارع أو المصانع، صار السخط على نظام الرئيس حسني مبارك مسألة ملموسة في الوقت الذي يقترب فيه من إنهاء ربع قرن من حكمه للبلاد سواء بسبب السياسات الفاشلة أو بالأخذ في الاعتبار عمره البالغ 77 عاما بحسب رأي الصحيفة . ورأت الصحيفة أن ظاهرة الغضب التي تتزايد في المناطق الريفية في مصر بسبب الأجور وعمليات الطرد التي يتعرض لها الفلاحون من قبل ملاك الأراضي تدعم موقف خصوم الرئيس مبارك. وفي إشارة إلى تصاعد المعارضة لمبارك على كافة الأصعدة، أشارت الصحيفة إلى أن الحركات العمالية، التي كانت ساكنة لفترة طويلة، بدأت في الاحتجاج على عمليات تسريح العمالة في مؤسسات الدولة والرواتب المتدنية. كما عارض القضاة مقترحات الحكومة باستخدامهم كمراقبين في انتخابات سبتمبر الرئاسية المقبلة لاعتقادهم بأنها سيتم تزويرها كسابقاتها. وأشارت إلى أن الفقر المدقع والعدالة الاستبدادية وبرامج الحكومة الخرقاء أفرزت طبقة واسعة النطاق من المظلومين في مصر أسهمت في الانفجار الذي شهدته قرية ساراندو التابعة لمدينة دمنهور منذ عام تقريبا. ورأت الصحيفة أن التساؤل حول ما إذا كانت مصر تنهض على صعيد التغير السياسي أو أنها ستواصل رقادها لا يزال مفتوحا بغير إجابة. وقالت إنه في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس مبارك السيطرة على اتجاه البلاد نحو التغيير سواء من خلال الإصلاحات الاقتصادية أو بعقد انتخابات رئاسية غير متاحة فيها المنافسة إلا لعدد محدود من المرشحين، وذلك على حد تعبير الصحيفة.. فإن جماعات المعارضة لا تزال عاجزة على تحريك حشود كبيرة من المصريين العاديين إلى الشوارع. مشيرة إلى أن ما يقرب من ثلث الشعب المصري يعيش وسط الأراضي الزراعية ولا يزالون إلى حد كبير بعيدين عن الحياة السياسية. وعن ظاهرة الغضب في المناطق الريفية في مصر تحدث كريم صابر مدير مركز الأرض لحقوق الإنسان عن الظاهرة في مقابلة مع الصحيفة بقوله: هناك غضب متزايد في الريف.. لا توجد تنمية أو برامج اقتصادية أو سلطة سياسية.. إنها قنبلة صامتة موقوتة. وأيدت الصحيفة بعض التقارير الصادرة عن منظمات ناشطة في مجال حقوق الإنسان والتي سجلت ظاهرة تزايد العنف في الريف ضد ملاك الأراضي الزراعية. وفي مقابلة أجرتها معه الصحيفة، قال صلاح نوار أحد ملاك الأراضي في ساراندو: إذا استمر الفلاحون في موقفهم هذا فسوف تنتشر الظاهرة.. حيث سيثورون ويهاجمون جميع ملاك الأراضي. وأضافت الصحيفة أنه باستثناء بعض المباني الخرسانية وبعض محطات تزويد الوقود فإن أي مراقب لا يمكنه إنكار المشهد المتردي الذي تعيشه المناطق الريفية في مصر. وفي إشارة إلى تراجع اهتمام الحكومة بالتنمية في المناطق الريفية، ذكرت الصحيفة أن نظرة عن كثب سوف تكشف عن المدارس المهدمة وأطفال أميين ومستشفيات غير مجهزة وحالة سخط إزاء السياسات الزراعية غير المجدية. وحملت الصحيفة الحكومة المسئولية عن تردي أوضاع الفلاحين حيث أشارت إلى عدم خضوع أجور الفلاحين في المناطق الريفية لقوانين الدولة حيث أصبح الدخل السنوي للفلاح يتراوح ما بين 4 دولارات إلى 60 دولار عن الفدان وهو ما يعادل 25 في المائة فقط مما ينبغي أن يحصل عليه الفلاح من دخل خلال العام الواحد. وأكدت الصحيفة أن الرئيس مبارك أعاد مصر إلى عصر الإقطاع.. مشيرة إلى أن قوانين الإصلاح الزراعي في عهد جمال عبد الناصر جردت ملاك الأراضي من السيطرة على أملاكهم مع احتفاظهم بالألقاب.. أما في الوقت الحالي فإن ملاك الأراضي يستطيعون طرد الفلاحين حال رفضهم الخضوع لأسعار السوق.. مؤكدة أن الوضع الراهن هو سبب الأزمة في ساراندو. وعن أحداث العنف التي وقعت في قرية ساراندو.. نقلت الصحيفة الأمريكية عن نوار قوله إن عشرة فلاحين رفضوا دفع الإيجارات المفروضة والمعادلة لنحو 20 دولارا عن الفدان.. وهو ما دفعه، على حد قوله، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأجير الأراضي لآخرين حيث واجه الفلاحون الإجراءات بمقاومة انتهت باعتقال العديد منهم بتهمة حيازة أسلحة والبلطجة. وبحسب ما ذكرت الصحيفة، فقد أضاف نوار: لا يمكن أن اتخيل أن يحدث هذا أبدا.. لقد دعوني بالإقطاعي.. والباشا. الفلاحون الآن أسوأ ممن يعيشون في الحضر. وفي 4 مارس أرسل نوار مجموعة من الجرارات يصحبها مجموعة من أقربائه وأشخاص مؤجرين لفرض سيطرتهم على الأراضي، حيث استقبلهم حشد من الفلاحين كما توافد آخرون من القرى المحيطة لمساعدة الفلاحين فانطلقت الصيحات ثم الأعيرة النارية وهو الأمر الذي انتهي بمصرع أحد أقرباء نوار ويدعى عبد الوهاب نوار.. وحرق الجرارات وإغراق سيارتين في ترعة قرب موقع أحداث العنف.. كما اعتقل شخص يدعى محمد رجب بتهمة القتل ولا يزال 6 أشخاص هاربين وأطلق سراح مجموعة أخرى بكفالة. وفي إشارة إلى الحياة الفارهة التي يعيشها ملاك الأراضي في مصر، أعطت الصحيفة الأمريكية وصفا دقيقا للحجرة التي أجرت فيها معه المقابلة، حيث قالت: نوار يعيش في إحدى ضواحي الإسكندرية الراقية.. غرفة المعيشة في مسكنه مزخرفة بالستائر والمرايا. ونقلت عن نوار، الذي قالت إنه شغل منصب رئيس شركة الغزل والنسيج المملوكة للدولة إلى جانب أن أحد أقربائه عضو بمجلس الشعب، قوله إنه يمتلك فقط 30 فدانا فضلا عن مئات الفدادين التي يمتلكها أفراد عائلته. واستهجنت الصحيفة موقف الأجهزة الأمنية في التعامل مع الأزمة في قرية ساراندو حيث لجأت الشرطة إلى اعتقال النساء بصرف النظر عن وجود أطفال رضع لدى بعضهن بعد أن لاذ المطلوبون بالفرار بعدما تدخلت لاعتقال المتزعمين لمجموعة الفلاحين التي اتهم معظمها بحيازة الأسلحة. ونقلت الصحيفة عن أرملة رفضت تسليم أرضها لنوار وتدعى صبرية عبدالله قولها: لقد استولت الشرطة على مخزون القمح لدينا.. حطموا الأبواب لقد هاجمونا وسحبونا من الحجاب.. لقد حاصرت الشرطة القرية لستة أيام تقريبا وقالت الصحيفة إنه رغم مرور فترة طويلة على أحداث قرية ساراندو لا تزال مهملة ولا تزال تهم القتل والعنف قائمة. ولا يزال عدد من الرجال مفقود وتعمل النساء في ظروف عمل قاسية.