ما حدث أول أمس أمام دار القضاء العالي يكتب تاريخًا جديدًا للقضاء المصري، عندما حاصر عشرات من رجال النيابة العامة النائب العام ومنعوه من الحركة أو الخروج لإجباره على الاستجابة لمطالبهم بالاستقالة من منصبه وحاولوا اقتحام مكتبه بالقوة لطرده خارج المحكمة لولا تصدي قوات الأمن لهم وحدوث مناوشات واحتكاكات بين الطرفين قبل أن يضطر النائب العام تحت الإكراه والحصار أن يتقدم باستقالته للمجلس الأعلى للقضاء، هذه أول مرة يقوم فيها منتسبو جهة قضائية بممارسة أعمال بلطجة علنية صريحة ضد مؤسسات قضائية، هذه أول مرة يقوم فيها رجال القضاء بحصار محاكم من أجل إجبار قيادات قضائية على الاستقالة، هذه أول مرة في تاريخ القضاء المصري يهدد فيها قضاة ورجال نيابة بممارسة العنف ضد قيادات قضائية ومحاولة طردهم من مكاتبهم بالقوة، والكارثة أن هذه الواقعة الخطيرة تأتي في سياق ممارسة بعض القوى السياسية تظاهرات حاصرت بعض مؤسسات القضاء مثل المحكمة الدستورية، وغضِب قضاة كثيرون من ذلك وانتفخت أوداج المستشار أحمد الزند أحد المحرضين الأساسيين على سلوك وكلاء النيابة، غضبًا بدعوى أنه إهدار لمؤسسات الدولة وعدوان على العدالة أن يحاصر متظاهرون مبنى المحكمة الدستورية، رغم أنهم لم يحاصروه في الحقيقة باعتراف رئيس المحكمة الدستورية المستشار ماهر بحيري، هذه الأوداج المنتفخة لأن متظاهرين يحاصرون المحكمة الدستورية ابتلعوا ألسنتهم الآن أمام جريمة بالغة الخطورة تمثلت في حصار ابن أحمد الزند وأصهاره وأبناء وأصهار عبد المجيد محمود وأبناء بعض قيادات سابقة في النيابة لدار القضاء العالي ومحاصرة مكتب النائب العام وحبسه بداخله ومنعه من الخروج ومحاولة اقتحام مكتبه لإخراجه منه بالقوة قبل أن تتدخل قوات الأمن لتمنع الكارثة، صمتوا الآن، بل وأقاموا احتفالية بالانتصار الذي حققه "البلطجية" على النائب العام، وأقول بكل وضوح وعلى مسؤوليتي الكاملة أن من قاموا بهذا العمل أول أمس مارسوا عملًا من أعمال البلطجة وأهانوا القضاء المصري وشوهوا صورته أمام العالم، وأسسوا لشرعية جديدة، شرعية أن البلطجة هي التي تدير مؤسسات الدولة، وأنه بالدراع تفرض قرارك وحكمك على المحاكم وعلى النائب العام، ومنحوا كل القوى السياسية الحق الكامل في حصار أي محكمة أو نيابة ومنع من فيها من الحركة لحين الاستجابة لكامل مطالبهم، بما فيها طرد وكيل النيابة من العمل بالنيابة أو طرد القاضي من العمل في سلك القضاء، هذه السلوكيات التي كنا نصفها بالبلطجة أصبحت مشروعة تمامًا الآن بتصديق من وكلاء النائب العام واعتماد كامل من نادي القضاة ورئيس النادي أحمد الزند، وأعتقد أن القائمة الآن منشورة لكل العاملين بالنيابة الذين مارسوا البلطجة أول أمس في دار القضاء العالي ومكتب النائب العام، ومن حق أي مواطن مصري أن يتخذ ما يراه مناسبًا من سلوك "مشروع" لمحاسبة هؤلاء البلطجية، كما أن من حق القوى الوطنية جميعها أن تطالب بإبعاد هؤلاء جميعًا عن الاشتغال بأي عمل من أعمال القضاء أو التحقيق، لأن أي مواطن لا يمكن أن يأمن على حقه أو العدل في هذا البلد إذا كان من يحقق معه بلطجي وخارج على القانون من هؤلاء الذين مارسوا العنف والبلطجة والحصار للنائب العام ودار القضاء العالي. [email protected]