هناك من يروج بأن الشائعة التى أطلقها المستشار الإعلامى لحزب الحرية والعدالة، أحمد سبيع، على هامش موضوع النقل الذى تعرض له المستشار مصطفى خاطر، المحامى العام لنيابات شرق القاهرة، بأنه كان مستشارًا للفريق أحمد شفيق خلال حملته الرئاسية السابقة، ثم تصحيح وسائل الإعلام المختلفة بأن مستشار شفيق هو مصطفى سليمان عبدالرحمن أبواليسر، كان غرضها الرئيسى صناعة حبكة درامية تساهم فى تقديم البطل المراد صناعته، وهو المستشار مصطفى حسن محمد خاطر. ومع أن موضوع النقل لا يحتاج لهذا النوع من التحابيش لإضفاء بطولة على الرجل الذى قدم نفسه بأنه ضد فساد النائب العام الجديد، فإن هذه البهارات كانت مطلوبة لعلاقتها بقضايا أخرى. فبطولة المحامى العام ثابتة لكونه منوطاً به الإشراف المباشر على التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة فى أحداث المصادمات الدامية التى شهدها محيط قصر الاتحادية يومى الثلاثاء والأربعاء 4 - 5 ديسمبر 2012. حيث أمر بإخلاء سبيل جميع المتهمين، والبالغ عددهم 137 متهمًا على ذمة التحقيقات، بعدما تبين له عدم وجود أدلة كافية تقتضى إصدار قرارات بحبسهم احتياطيًا. فأخلى سبيل الجميع عدا 12 متهمًا حبسهم احتياطيًا لاتهامهم بحيازة أسلحة نارية وبيضاء وقنابل مولوتوف. فهذه الرواية لا تحتاج لأى بهارات لصناعة بطولة إضافية على الرجل. فما فعله كفيل وحده فى وضعه فى دائرة البطولة. فتصريحات الرئيس محمد مرسى، التى كانت قاطعة فى ذات اللحظة التى أطلق فيها المحامى العام سراح هؤلاء، وضعته فى دائرة الضوء. فموقفه، ثم نقله إلى نيابات بنى سويف، أدى إلى ثورة الرأى العام، واتهامات للنيابة العامة بالتواطؤ، ومطالبتها بعزل النائب العام الجديد. وإذا كانت الروايات الرسمية ومعظم كتابات الصحافة والإعلام قد وضعت المستشار مصطفى خاطر فى دائرة البطولة، إلا أن هناك آراء ثلاثة أثيرت خلال نقاشات تمت فى ميدان التحرير، وعلى هامش مؤتمر اتحاد المؤرخين العرب، وجامعة القاهرة، صنفته كأداه فى يد آخرين: الرأى الأول، أن الرجل شارك فى تبرئة وزير الداخلية حبيب العادلى وزبانيته فى قضايا قتل المتظاهرين السلميين أثناء ثورة 25 يناير. حيث يقارنون بين دوره فى قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، والتى صدر فيها حكم نهائى وبات بمعاقبة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، باعتباره رجل مبارك، بالسجن المشدد 15 عامًا. ومن ثم فهو فى نظرهم، تم توظيفه فى إخراج وزير الداخلية، وقبل الثورة كان أداة فى يد قوة سياسية بعينها. الرأى الثانى، أن الرجل استغل كأداة فى التشهير بالنائب العام الجديد، المستشار طلعت عبد الله، بعد موجة الانتقادات التى واجهت تعيينه ورفضته، وعلى رأسهم بلدياته والمقربون منه. رغم أن المجيء به كان لإسكاتهم. ولعل التجريح الذى تناقلته الصحف القومية وغير القومية للنائب العام حول قراره بانتداب المحامى العام إلى نيابة بنى سويف، اعتبره الكثيرون تشهيرًا بالرجل الجديد وإهانة له، اضطره لإعادة النظر فى نقله وإبقائه فى موقعه السابق. الرأى الثالث، أن الموضوع تم ترتيبه لغسل سمعة المستشار خاطر من كل القضايا التى وظفت ضد النائب العام السابق. فقد ثبت عمليًا أنه كان الطرف الرئيسى فيها. وسواء كان المستشار مصطفى خاطر بطلًا أو أداة فى أيدى آخرين، فإن تحليل الظروف السياسية التى جرى فيها تصدير قصة نقله، قد كشفت بأن الإصرار على جعله بطلًا كان واضحًا ومرتبًا بعناية. ولعل التعليقات الجانبية حول الموضوع تُظهر كثيراً من كواليس السياسة الغائبة والمكملة للصورة. فإحدى الروايات، تطرح بأن المستشار خاطر لم يكن معارضًا لرغبات الرئيس والنائب العام، بقراره بإطلاق سراح جميع المتهمين فى قضية محاصرة قصر الاتحادية، وأنه بحكم أنه بلديات الرئيس، فقد جاء الأمر مرتبًا. فحسب زعمهم أن قرار إقالة النائب العام السابق عبدالمجيد محمود، وتصريحاته فى نادى القضاة بأنه بعيد عن مهرجان البراءة للجميع من قتل المتظاهرين فى ثورة 25 يناير، قد كشف الغطاء عن الدور الذى لعبه المستشار خاطر فى ترتيب هذه البراءة والإعداد لها. فكان لابد من تطهير صفحته فى أول حادثة يحقق فيها، فجاءت حوادث الاتحادية يوم الأربعاء 6 ديسمبر 2012 لتقوم بهذا التطهير. ويرى آخرون بأن مذكرة المستشار خاطر المقالية، تلك التى رفعها لمجلس القضاء الأعلى وسربها للعديد من الصحف القومية والمستقلة، متظلمًا من قرار نقل النائب العام المستشار طلعت عبد الله له لنيابات بنى سويف، بأنها جاءت محكمة ومرتبة بعناية، لتسوق لبطولته فى كل وسائل الإعلام. بل يقارنون بين الزمن الذى استغرقه فى تحقيق قضايا قتل المتظاهرين فى ثورة يناير، وقضايا قصر الاتحادية، ليخلصوا إلى نتيجة غريبة وعجيبة. تصب فى القول بأن المتهمين بتوصيل الرعب لكل من يقترب من القصر كان وجودهم ضروريًا، ويتطلب توفير محقق يدفع لهم بتلك البراءة السريعة. فكان مصطفى خاطر هو هذا المستشار الذى أطلق سراح المتهمين بعد يوم واحد فقط من ضبطهم. وسواء كان ما يقال حول الرجل صحيحًا أم ملفقًا، إلا أن الأزمة التى يعيش القضاء المصرى حول تهم التسييس والفساد الذى يعترى بعض أفراده، والانقسام الواضح بينهم، يقطع بأننا نحتاج إلى أطر قضائية جديدة لا تمكن السياسيين من دس أو استخدام رجالاتهم داخل المؤسسة القضائية. وضمان الاستقلال الكامل لها، باعتبارها أهم مؤسسة فى الدولة. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين - أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة.